غالبا ما يختلط الأمر لدينا بين العجز المالي وعجز السيولة، وكثيرا ما نضع أحد المفهومين مكان الآخر في توصيفاتنا التي نشير فيها الى ما يتعرض له البلد هذه الأيام.
فيبدو الأمر لدى الجمهور، وكأننا أزاء شح في النقد الصادر عن البنك المركزي، فيما يؤكد المركزي أن الكتلة النقدية خارج مساحة التداول المصرفي تقدر بنحو 70 بالمئة من النقد الصادر، ما يعني أن ثمة خلطا في الحديث مدعوما بشأن نية طبع المزيد من العملة بوصفها حلّاً من الحلول المطروحة، الأمر الذي أربك التصورات لدى العامة من الناس في شكل الأزمة بالتزامن مع ما يُقال بشأن تحرير سعر الصرف، وأسهم في تكريس حالة الانكماش، جراء الاقبال على الملاذات الآمنة في تحويل النقد العراقي الى الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
ويختلف مفهوم عجز السيولة المالية عن العجز المالي، إذ يعبر الأول عن معدل سرعة تحويل الأصول إلى نقود، دون تحمّل خسارة في معدلات أسعار السوق، بحيث يكون للسيولة النقدية القدرة على استيعاب الصفقات من دون حدوث تغيرات كبيرة في الأسعار.
وقد يؤدي النقص في السيولة الى انخفاض في أسعار الأصول إلى ما دون السعر الأساس، أو ربما يؤدي الى تراجع في تدفقات التمويل الخارجي، أو انخفاض الطلب، أو صعوبة المتاجرة بالأصول. وهذه الملامح لا تبدو ظاهرة للعيان في مشهدنا الحالي، ما يعني أننا أزاء عجز مالي يتعلق بالموازنة العامة، ناجم عن ارتباط نحو (90 بالمئة) من ايراداتها بانخفاض أسعار النفط، وليس عجزا في السيولة يتعلق بحركة السوق.
والعجز المالي يحدث عندما تعتزم الدولة انفاق نسبة من المال أكثر من نسبة العائدات، ويعبر عنه بوصفه الرصيد السالب للميزانية العامة للدولة، وأحيانا يقال عجز الموازنة العامة، وغالبا ما تضطر الحكومة في هذه الحالة إلى تمويل هذا العجز من خلال الاقتراض الخارجي أو الداخلي، ما يؤدي إلى تزايد الدين العام.
فيكون الأمر مرتبطا بانخفاض الايرادات خلال فترة زمنية، هي في العادة تتعلق بعمر قانون الموازنة الذي يصنع لمنح الحكومة حق الصرف خلال سنة واحدة تحت مظلة قانون الادارة
المالية.
وعليه فإن العجز المالي يشير الى إشكالية في طريقة استخدام الموارد من قبل الدولة، فيما يشير عجز السيولة الى انخفاض كمية النقد المتداول، وقد تكون معالجة الأول مرتبطة بحسن إدارة الكتلة النقدية في ظل احتياطي نقدي ممتاز، وتحفيز الجزء الأكبر منها الذي يقع خارج مساحة التداول المصرفي، اذ يمكن مثلا زيادة ايرادات الموازنة العامة عن طريق استثمار الأصول الخاصة بالدولة بشكل أمثل من دون بيعها، بعد أن بقيت معطلة على مدار سنوات.