الجيوبارك .. شواهد أثريَّة ومناطق سياحيَّة منسيَّة

ريبورتاج 2020/11/18
...

  فجر محمد
بحيرات وكهوف ومناجم وتلال اثرية تمتد في بقاع العالم المختلفة، تحكي قصص حضارات لشعوب اختفت وبقيت آثارها ماثلة الى يومنا هذا، لكنها  لم تعد ارثاً تاريخياً فقط، بل جيولوجياً وثقافياً وسياحياً مهماً.
وتعرف هذه الاماكن بالحدائق الجيولوجية، اذ اصبحت مفهوماً شائعاً في دول العالم التي تتمتع بالحضارات والثقافات المتنوعة، فقد انضم العراق مؤخراً الى تلك الدول، ويعمل اليوم باحثو علم الارض والمختصون على ايصال صوتهم وارثهم الحضاري والجيولوجي الى اليونسكو، كي تضم تلك المناطق الى قائمة التراث العالمي ومنها جزء من الاهوار وبحيرة ساوة وكهوف الطار وغيرها من الاماكن الاثرية، كي تلقى الاهتمام المناسب من خلال المؤتمر الدولي الاول الذي اقامته كلية العلوم في جامعة بغداد.
 
التنمية المستدامة
لا يخفى على اي شخص ما يتمتع به العراق من ثروات طبيعية، ومنها المناطق ذات الصفة الجمالية والاثرية التي تمتد لحضارات مختلفة وجدت على ارضه، ولكنها لم تحظ بالاهتمام مقارنة بنظيراتها حول العالم من قبل منظمة اليونسكو.
مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محسن عبد علي اشار الى أن اهمية الحدائق الجيولوجية تكمن في تحقيق التنمية المستدامة، نظراً لوجود الكثير من المناطق في البلاد ذات الصفات الجمالية والاثرية ومن الممكن تسجيلها في قائمة التراث العالمي، لتحظى بالرعاية من اليونسكو، على غرار الكثير من الدول كالصين وفرنسا، منوهاً الى ضرورة وجود دراسات ذات جدوى اقتصادية وبحوث معمقة، وهذا مايعكف عليه حالياً قسم علم الارض في كلية العلوم بجامعة بغداد.
 
ثقافة جديدة
ظهرت في الآونة الاخيرة محاولات لترسيخ ثقافة جديدة ذات اتجاه وطني، تسهم في الوقت نفسه بتوفير فرص عمل للشباب والخريجين والفئات المجتمعية المختلفة ومنها السياحة الجيولوجية التي تعد احد هذه الروافد المهمة.
رئيس جامعة بغداد الدكتور منير السعدي نبه الى أنه لا بد من استغلال المتنزهات الجيولوجية بشكل صحيح واستثمارها من اجل انجاح هذا النوع الفريد من السياحة، اذ ان اغلب الدول المتقدمة لم تهمل شواهدها الاثرية، بل حافظت عليها وطورتها اكثر. 
 
محاضرات افتراضيَّة
بسبب جائحة كورونا تعذر حضور الكثير من الباحثين والمختصين بعلم الجيولوجيا حول العالم، لكن هذا لم يمنع من مشاركتهم بالمؤتمر، عبر المواقع الالكترونية الخاصة، اذ شارك الباحثون الموجودون في المؤتمر مع اقرانهم المتواجدين حول العالم الكترونياً وتبادلوا الآراء والرؤى بشأن السياحة الجيولوجية.
 
تسجيل المواقع
تنتشر المتنزهات الجيولوجية حسب الاحصائيات والدراسات العلمية من الشمال الى الجنوب، ولكنها مهملة بشكل واضح وتحتاج الى التوثيق الصحيح.
عميد كلية العلوم في جامعة بغداد الدكتور عبد الكريم القزاز يرى بان تلك المواقع اذا ما سجلت ووثقت بشكل صحيح ودقيق لدى منظمة اليونسكو، وانضمت الى نظيراتها في دول العالم، فانها ستكون خطوة نحو التوجه العالمي واستقبال ثقافات شعوب العالم وتحقق التواصل العلمي والاجتماعي معهم.
 
مشاركات واسعة
لان مصطلح الجيوبارك لم يكن وليد اللحظة، لا سيما في الدول التي استثمرت مواقعها الاثرية المشهورة واهتمت بها بشكل كبير، فقد حظي بالدراسات والتقارير العلمية الرصينة.
رئيسة قسم علم الارض في كلية العلوم بجامعة بغداد الدكتورة منال الكبيسي بينت وجود عدد كبير من البحوث العلمية الرصينة في هذا المؤتمر لباحثين وخبراء من دول العالم منها فنلندا وتركيا ورومانيا وماليزيا وتركيا وليبيا والاردن ومصر، اذ عرضوا تجاربهم الناجحة في هذا المجال، فضلا عن مقترحات وافكار لانجاح السياحة الجيولوجية في البلاد.
 
مصادر الدخل
من المعروف ان دول العالم المتقدمة لا تعتمد اليوم على رافد اقتصادي واحد، بل تنوع من مواردها كي لا تكون ذات اقتصاد ريعي واحادي الجانب، هذا ما اكد عليه نقيب الجيولوجيين في العراق ظافر عبدالله وتابع القول: "لا بد من ايجاد موارد للدخل الوطني اسوة بدول العالم وتجاربها الناجحة في هذا المجال، خصوصا ان الجيوبارك اذا ما استثمر بشكل صحيح وتم تنظيم تلك المتنزهات والمواقع الاثرية فانها ستدر اموالا لخزينة الدولة، ومع وجود الاساتذة والخبراء الذين لديهم الخبرة والمعرفة الواسعة بتوثيق تلك المناطق، واعداد ملف خاص بها من الممكن ايصاله الى اليونسكو كي تتبناها اسوة بالكثير من الحدائق الجيولوجية التي ترعاها".
 
ضربة نيزك
يجد الكثير من الخبراء ان المتنزهات الجيولوجية ليست اماكن سياحية وحسب، بل هي احدى ادوات تعزيز الروابط العالمية والعربية من خلال زيارة تلك المناطق، فضلا عن ترسيخها لرابطة الانسان والبيئة والحفاظ عليها.
الاكاديمي والخبير في جامعة بغداد الدكتور محمد صالح عوض لفت الى ان وجود هذا النوع من السياحة المستقبلية من شأنه أن يعزز التواصل بين دول العالم المختلفة، والتعرف على ثقافات وحضارات اخرى عريقة بامكان السائح معرفتها، فعلى سبيل المثال جبل سنام في البصرة والكثير من المواقع والتخسفات في الصحراء الغربية بجانبيها الشمالي والجنوبي ومواقع اخرى على ضفتي نهر الفرات، واماكن تعرف بالمقالع يحفرها الانسان لاستخراج الموارد الطبيعية، فضلا عن مواقع يعتقد بانها تشكلت على اثر ضربة لاحد النيازك.
 
بنى تحتية
اذا ما توفرت البنى التحتية والاعمار لمناطق الجيوبارك، فلا بد انها ستكون محطة مهمة للعديد من السياح لدول العالم المختلفة، هذا ما اشارت اليه الاكاديمية في جامعة بغداد بكلية العلوم مديحة محمد وبينت أن تلك المناطق المؤشرة ضمن التنوع الجيولوجي اذا ما تم الاهتمام بها وبناء اماكن استراحة للسياح فيها، فضلاً عن الخدمات المتنوعة فانها ستكون مصدر جذب وزيارة من قبل دول العالم المختلفة.
 
مناجم
تشتمل المتنزهات الجيولوجية على مناطق حيوية ومهمة من بينها البحيرات والمناجم التي تستخرج منها المعادن الثمينة التي تدخل في مختلف الصناعات، هذا ما اكدته عضوة اللجنة العلمية في المؤتمر الدكتورة هبة المعمار وتابعت قولها:"هناك الكثير من المواقع الاثرية التي تحتاج الى الاهتمام وهي منتشرة في محافظات العراق المختلفة، ومن الممكن ادراجها في لائحة التراث العالمي وتحظى برعاية الجهات المختصة، ومنها المناجم التي تستخرج منها معادن واحجار نفيسة".
 
توصيات
خرج المؤتمر الدولي الاول للتراث والسياحة الجيولوجية بجملة من التوصيات ومنها السعي الى عقد هكذا مؤتمرات كل عامين لمناقشة خطط تطوير الحدائق الجيولوجية والسياحة فيها، والحث على التوجه للاستثمار في المتنزهات الجيولوجية لامتصاص البطالة وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وبمشاركة جميع التخصصات لمواجهة المشكلات البيئية المتنوعة، كالتصحر والعمل على زيادة المراعي، والحفاظ على الارث الجيولوجي وانواع من الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض.
كما اكدت التوصيات ضرورة تسليط الضوء على مناطق التنوع الجيولوجي لما تمتلكه من خصائص فريدة من نوعها واهميتها واثرها الكبير في التنوع البيولوجي، فضلا عن ضرورة ايلاء السياحة الجيولوجية الاهمية اللازمة ونشر الوعي حولها، فضلا عن اهمية انشاء محميات طبيعية تدار من قبل مختصين وبالتعاون مع الحكومات المحلية في المناطق ذات التنوع الجيولوجي وذلك لتدريب الطلبة واجراء البحوث والدراسات العلمية الرصينة، كذلك التركيز على اجراء المسوحات الحقلية لتحديد الكهوف والمناطق الاثرية المهمة، مع التأكيد على التواصل والتعاون مع المنظمات العالمية كاليونسكو والمراكز البحثية المتخصصة.