وهم اللا حدود!

منصة 2020/11/29
...

 ميادة سفر
هل صحيح أنّ العالم أصبح قرية صغيرة؟.. وهل صحيح أنّ سكان الأرض جميعاً متساوون في هذه القرية وينتمون إليها؟.
إذا كان هذا صحيحاً وهو حاصلٌ فعلاً في العالم الافتراضي، فبإمكان الجميع اليوم التواصل في ما بينهم من أقصى شرق الأرض إلى أقصى غربها عبر الفضاء الالكتروني، لكنّ الواقع يناقض ذلك تماماً.
ففي الوقت الذي ينادي فيه دعاة العولمة باللا حدود، وأنَّ البشرية ستكون أفضل حالاً دون حدود، تمتد الأسلاك الشائكة وتمتلك الدول حرس حدود منتشرين على طولها، جنوداً مدججين بالأسلحة وبأحدث تقنيات الرصد والرادارات لمراقبة أية حركة تحصل، وبتكاليف باهظة، حتى «الطير الطائر» لا ينجو منها.
ما هذه الكذبة التي يتم الترويج لها بتحول العالم إلى قرية صغيرة؟!.. بينما ما زالت الحدود قائمة وصارت أشد قسوة وسطوة، بل تحولت إلى جدران عالية ممتدة لمسافات طويلة، كالجدار الذي أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتشييده على حدود بلاده مع المكسيك، ليمنع آلاف المهاجرين من أميركا اللاتينية من عبور الحدود هرباً من الفقر والجوع، وطالبها فوق ذلك بدفع تكاليف بنائه!.. وفي جانب آخر من الأرض ووفقاً لسياسة مشابهة قائمة على الفصل بمختلف أشكاله أقامت إسرائيل الجدار العازل في الضفة الغربية لتزيد من تضييقها على الفلسطينيين بسلبهم حريتهم في التنقل وحجزهم ضمن منطقة صغيرة.
في كل مرة تحدث فيها حروب أو أزمات أو كوارث يعود الحديث عن الحدود للظهور ويتصدر المشهد، وكان آخرها جائحة كورونا التي عصفت بالعالم وأرخت بظلالها الثقيلة على كل البلدان وأدت في ما أدت إليه إلى إغلاق الحدود بين الدول، فحتى الاتحاد الأوروبي الذي كان بإمكان مواطنيه التجول والسفر بين مختلف دوله من دون حاجة لجواز سفر أو تأشيرة دخول، أجبر أعضاؤه على إغلاق الحدود البرية والجوية في ما بينها، وعلق الآلاف من المسافرين خارج دولهم، وحتى بعد رفع الحظر لم يعد الواقع كما كان قبل كورونا، فخضعت الإجراءات للتشديد والتدقيق وأجبر الجميع على إجراء الفحوصات اللازمة التي تثبت عدم إصابتهم بالفيروس إلى غيرها من إجراءات أعادت للحدود بين الدول مكانتها، وربما أثبتت للمنادين بإزالتها عدم صحة دعواهم.
إنَّ النظام العالمي اليوم يتحكم بالكرة الأرضية، يقيم الحدود ويرفع الجدران متى أراد، ويزيلها متى أراد، فتلك الحدود لم تغلق في وجه التنظيمات الإرهابية التي غزت بلاد ما سمي «الربيع العربي» بل شرعت البوابات الحدودية أمامهم كما هي الحال في سوريا حين فتحت الحدود ليعبروا، وأقلتهم الطائرات إلى بلاد أخرى ليقاتلوا تحت راية دولة تمويلهم، في الوقت ذاته أقفلت ومنع بعض اللاجئين من العبور إلى الدول الأوروبية بعد أنْ اكتفت بالأعداد التي وصلت إليها، فضلاً عن الحصار الذي فرض على عددٍ من الدول التي خالفت الدولة العظمى.
وفي حين يندد العرب باتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الجغرافيا ورسمت كل هذه الحدود، يطالب العربي الراغب في العمل في إحدى الدول «الشقيقة» بفيزا وكفيل وربما رصيد بنكي، ليتمكن من عبور الحدود.
«العالم أصبح قرية صغيرة».. نعم، ولكن افتراضياً فقط.. وهذا ما تقوله الحدود!.
«العالم أصبح قرية صغيرة».. إن لم يكن هذا كذبة كبيرة، فهو على أقل تقدير، وفي أحسن الأحوال: أكبر مزحة سمجة في التاريخ المعاصر.. والحدود تشهد!