التوازن في سعر الصرف

اقتصادية 2020/12/21
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
من الصعب الحديث عن التوازن في سعر الصرف، مالم تكتمل مقومات وجود عناصر السوق، إذ إن الحديث عن التوازن يقتضي وبالضرورة وجود سوق تتكامل فيها الأدوات وتتشكل فيها العلاقات بموجب حزمة كبيرة من القوانين وجهاز تنفيذي صارم، في ظل نشاط اقتصادي تكون فيه عموم القطاعات ذات دور كبير في الناتج المحلي الاجمالي، حينها يمكن أن نقول إن هذا التوازن مهم لجذب الاستثمار. 
والتوازن يعني التسليم أولا بآلية تعويم العملة المحلية، وهذه الآلية التي تأخذ شكلها المطلق في الاقتصاديات الصناعية المتقدمة، وتخضع لآلية التعويم المدار في الاقتصاديات الصاعدة، تقتضي وجود قطاعات حقيقية وقطاعات ساندة لها تسهم بمجملها وبشكل كبير في الناتج المحلي الاجمالي، وتحد من تدفق العملة الأجنبية لتمويل التجارة الخارجية، ما يفضي وبالضرورة الى انخفاض معدلات البطالة في سوق العمل، ويسهم في الحد من ظاهرة التضخم وتذبذب معدلات الأسعار. ومن ثم فإننا بحاجة الى دعم ممنهج للقطاع الخاص الوطني، ما دامت البيئة الاستثمارية قلقة وغير جاذبة للاستثمار على الرغم مما يقال بشأن كونها بيئة واعدة.  
إنَّ آليّة التحكم في استقرار سعر الصرف لا ترتبط  باستخدام احتياطات البنك المركزي وحسب، من دون وجود اقتصاد فاعل، قادر على تلبية الطلب الكلي، اذ ان دور السلطات النقدية ينحسر في مساحة التدخل للحد من التذبذبات السعرية، أو تعرض العملة الوطنية الى تراجعات كبيرة، حينها تقوم السلطة النقدية بضخ العملة الأجنبية وبيعها مقابل العملة المحلية، وحين يستقر سعر الصرف ربما تقوم بشراء العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية.
وهذه الآلية تقتضي وبالضرورة استقرار في طبيعة حركة السوق وانتظام ايقاع النشاطات الانتاجية وتسجيل معدلات نمو تمكن القائمين على رسم السياسة النقدية من اتخاذ القرار بما ينسجم وتدفقات العملة الصعبة الى الداخل، ومقارنة كلف السلع المنتجة محليا مع أسعار مثيلاتها المستوردة وفق علاقة ترابطية تحمي المنتج المحلي من ارتفاع كلفة الوحدة المنتجة محليا بدلالة الحد الأدنى من التوازن بين كميات السلع المستوردة ازاء مثيلاتها المنتجة محليا، وبخلافه فإن ترك السوق لصالح الطلب الكلي من دون وجود قطاعات اقتصادية حقيقية، سيمنح المضاربين فرصا كبيرة لجني الأرباح على حساب سعر المستهلك، ما سيدفع صعودا في معدلات التضخم، ويخلق المزيد من التراجع في قيمة العملة المحلية وفي الاحتياطيات النقدية من دون أن يفضي الى استقرار نقدي يسهم في جذب الاستثمار.