ما المغزى من أكبر اتفاق تجاري في العالم؟

اقتصادية 2020/12/23
...

 ترجمة: خالد قاسم
 
 
كانت العملية مؤلمة بقدر ما يحمل اسم الاتفاق من معنى قديم، لكن 15 دولة آسيوية وقعت "الشراكة الاقتصادية الشاملة الاقليمية" باحتفال افتراضي في هانوي. تعد الشراكة أكبر اتفاق تجاري متعدد الأطراف، وكان سيصبح أكبر من دون انسحاب الهند منه قبل عام. وبعد 8 سنوات مما وصفه وزير التجارة الماليزي محمد أزمين علي "التفاوض بالدم والعرق والدموع" فقد حققت الدول الباقية نصرا للتعاون الاقليمي بزمن فيروس كورونا الذي دمر الاقتصاد العالمي. مع ذلك تتباين الآراء كثيرا بشأن أهمية الانجاز، اذ يرى البعض الشراكة غير طموحة ورمزية الى حد كبير، بينما يراها آخرون ركيزة مهمة بنظام عالمي جديد تسيطر فيه الصين على آسيا.
تقع الحقيقة بين الأمرين، فالشراكة لا تعلن تحريرا جذريا للتجارة الآسيوية وهي نوع من عملية ترتيب اذ تدمج معاً باتفاق شامل كلا من اتفاقيات التجارة الحرة بين دول منظمة آسيان وعدة دول أخرى في منطقة آسيا المحيط الهادئ: أستراليا والصين واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.
جاء انسحاب الهند بسبب مخاوف من تعرض صناعتها المحلية للاغراق من المنتجات الصينية، وأزال ذلك العقبة الرئيسة أمام الاتفاق، لكن بما أن الهند ستكون ثالث أكبر اقتصاد بالشراكة وهي محفل لاتفاقيات تجارية ثنائية قليلة، فانسحابها حرم الاتفاق من بعض منافعها الرئيسة للسوق المفتوحة. وما يزال الباب مفتوحا لانضمام الهند، لكن علاقاتها مع الصين تدهورت بعدة جبهات منذ العام الماضي.
تتداخل عضوية الشراكة مع اتفاق تجاري اقليمي كبير آخر "الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ" ووقعت عام 2018 من 11 دولة وهدفها شمول أميركا لكن دونالد ترامب انسحب منها. وعندما كان الاتفاقان قيد التفاوض رفض المسؤولون الأميركيون بعجرفة الشراكة الجديدة لأنها أدنى مكانة وقديمة الطراز وتركز على الرسوم الجمركية واجراءات بدائية لتسهيل التجارة، وتتناقض مع اتفاق 2018 الذي يغطي مجالات مثل المعايير البيئية والعمل وقوانين للشركات الحكومية. يصح القول إن الشراكة الجديدة أقل طموحا طالما أن موقعيها يتراوحون بين دول غنية جدا مثل اليابان وسنغافورة الى فقيرة جدا مثل لاوس وميانمار. تلغي الشراكة 90 بالمئة من الرسوم لكن لفترة 20 سنة فقط بعد دخولها حيز التنفيذ (يتطلب ذلك إقرار جميع الدول الموقعة). وتغطيتها للخدمات غير مكتملة وتلامس بصعوبة الزراعة، فاليابان على سبيل المثال ستحتفظ برسوم استيراد كبيرة على بعض المنتجات الزراعية "الحساسة سياسيا" مثل الرز والقمح والسكر ومنتجات الألبان ولحم البقر والخنزير، لكنها مخفضة باتفاق 2018. لكن الشراكة وضعت أرضية جديدة بالانسجام بين الشروط المختلفة لقوانين المنشأ في التجارة الحرة لدى آسيان، ووضع قوانين محتوى اقليمي مما يسهل الحصول على السلع الوسيطة من أي دولة عضو.  أعد معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ورقة تعرض أنموذجا يظهر أن الشراكة ستزيد الناتج المحلي الاجمالي العالمي عام 2030 بمقدار 186 مليار دولار، وتذكر أن المنافع كبيرة للصين واليابان وكوريا الجنوبية على وجه الخصوص. 
عن مجلة ايكونومست الأوروبية