ملتقى الهايكو والنص الوجيز يختتم فعالياته في البصرة

ثقافة 2020/12/26
...

البصرة: صفاء ذياب
 
أختتمت في مدينة البصرة فعاليات ملتقى الهايكو والنص الوجيز الذي جاء تحت شعار (الشعر.. نهر حياة يتجدد) بدورته الأولى التي حملت اسم الشاعر الراحل مصطفى عبد الله، صباح يوم السبت على مدى ثلاثة أيام وبمشاركة أكثر من ثلاثين شاعراً وناقداً عراقياً كضيوف من خارج مدينة البصرة، فضلا عن مشاركة شعراء عرب من خلال إرسال نصوصهم قرأها شعراء عراقيون على منصة الملتقى.
الملتقى الذي افتتح فعالياته مساء الخميس على قاعة رئاسة جامعة البصرة الواقعة على شط العرب كان بالتعاون بين ملتقى السياب الثقافي في مدينة أبو الخصيب واتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة، وجاء حافلاً بالفعاليات، ابتداءً من كلمات الافتتاح التي ألقاها القاص حنون مجيد، ممثلاً عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، والدكتور أسامة ناظم؛ عميد كلية الكنوز الجامعة، إحدى الجهات الداعمة للملتقى، وكلمة الدكتور سلمان كاصد؛ رئيس اتحاد أدباء البصرة، وأخيراً كلمة أدباء البصرة للشاعر كاظم الحجاج التي قال فيها إنه منذ أن تأسست البصرة كانت مدينة لغة وشعر ومهرجانات، البصريون نافسوا عكاظ في الجاهلية بأن ابتكروا مربدهم القديم مقابلاً لعكاظ البداوة، أتوا بشعر المدينة منذ تأسيس البصرة التي لا يدري أحد متى تأسست. وأضاف الحجاج: لدينا نحن العراقيين هايكو أقدم، وهو الدارمي الذي هو امتداد سومري كما أعتقد، لأنه أيضاً شعر مقنن، ميزة الهايكو الياباني أنَّه ممكن أن يقرأ من الأعلى للأسفل ومن الأسفل للأعلى بالمعنى نفسه، وله ثلاثة أسطر، وقد يكون السطر الأوسط كلمة واحدة. لدي أنموذج أستشهد به دائماً:
سقطت من الغصن الزهرة
وإليه عادت
كانت فراشة
هذا القانون الثلاثي للشعر الرعوي القديم الذي يشبه الدارمي العراقي المقنّن أيضاً، لكن عادة ما يتمرّد الشعراء على أي قانون، ولذلك الهايكو أصبح شعراً عالمياً وكتب بكل لغات العالم تقريباً، أنا أعتز بشاعرنا الراحل حسين عبد اللطيف الوحيد بيننا الذي أصدر كتاباً شعرياً بالهايكو قبل رحيله بسنوات قليلة.
الأيام الثلاثة ملئت بالشعر والنقد، فقدّم شعراء عراقيون وعرب قصائدهم في جلسة الافتتاح بعد وصلة غنائية لمجموعة من فناني البصرة، ومعرض تشكيلي للفنان حامد سعيد أقيم على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين تزامناً مع الملتقى الذي أقيم في الذكرى السادسة والخمسين لرحيل رائد الحداثة العربية بدر شاكر السيَّاب.
ذكرى السيَّاب دعت الشعراء لإقامة الجلسة الثانية في بيته بجيكور بالقرب من نهر بويب الخالد، لتتضمن قراءات شعرية، وجلسة نقدية قدّمها الدكتور سلمان كاصد بمشاركة النقاد: د.علي حداد، د.حازم هاشم، د.صالح زامل، وعلي سعدون.
أما مساء يوم الجمعة، فقد تضمنت الفعاليات التي أقيمت على قاعة رجال الأعمال في شارع السعدي، قراءات شعرية، لتعقبها جلسة نقدية شارك فيها د.علي متعب وزهير الجبوري وحامد عبد الحسين حمادي ود.جبار الشحماني. في حين كانت الجلسة الختامية صباح السبت على قاعة رئاسة جامعة البصرة، متضمنة قراءات شعرية، وحلقة فنية قدمتها فرقة شناشيل الموسيقية، ليختتم الملتقى بالبيان الختامي بعد توزيع الألواح والشهادات التقديرية للمشاركين.
 
لماذا الهايكو
يُبيِّنُ الدكتور سراج محمد، مسؤول اللجنة الثقافية في اتحاد أدباء البصرة، أن هذه المدينة منذ القدم تنفتح على الكثير من الفعاليات المتنوعة وهي رائدة في الكثير منها لما لها من ثقل معرفي وقيمة في داخل الخريطة الثقافية العراقية. ولا شك أنَّ اللغة العربية لها خصوصية، أو أنَّها مناوئة، أي أنَّها لا تقبل المظهر الخارجي، سواءً كان ثقافياً أو أدبياً جديداً أن يدخل بسهولة في داخل منطقتها، لذا نستطيع أن نقول إن الهايكو تمكّن من أن يكوّن نسخة عربية خاصة به يختلف تماماً عن النسخة اليابانية، ونحن نستهدف هذه النسخة الآن، كما استهدف الناقد والشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة، عندما كتب هايكو بصيغة عربية.
مضيفاً: نحن لا نستطيع أن نشرك هذا اللون بما يكتب عربياً، لأنَّ الهايكو ليس شعراً، فهو لا يستهدف المجاز ولا يكتب إلا بتقانة المفارقة فقط، أي أنّك تبدأ بعنوان ومن ثم تقوم بالشرح أو تبدأ بالفكرة ومن ثم تقوم بمنحها عنواناً، وهو في الحقيقة لا يستعمل المجاز في تقاناته، بل يستهدف الطبيعة والفصول والحياة بشكل عام. وبرأي محمد، أنَّ النسخة العربية للهايكو تشبه تماماً مرحلة دخول قصيدة النثر بشكل طارئ على ما موجود في المنظومة الكلاسيكية، ومن ثم استطاع العربي بسرعة أن يدخلوا في إطار قصيدة النثر وأن ينتجوا نصوصاً تحسب لها... ربَّما سنرى بعد بضعة سنوات هايكو عربي يشابه الهايكو الياباني ويوازيه بالكتابة، لكننا نعرف أنَّ العربي بذائقته وباستهلاكه الثقافي من الصعب أن يستقبل هذا الفن في البداية، كما حوربت قصيدة التفعيلة من قبل الشعراء العموديين، وحوربت قصيدة النثر من قبل الباحثين عن الموسيقى، وهكذا بالنسبة للأنواع الأدبية الأخرى التي لا يتمكن تقبّلها في بدايات ظهروها، غير أنها بمرور الزمن ستأخذ مكانتها ومكان تلقيها لدى القارئ.
 
هل هناك هايكو؟
من جانبه، يشير الشاعر عمر السراي، إلى أنَّ السمة البارزة في الشعر وجود أشكال عدّة، ومن ثم ظهور تلوينات مختلفة داخل الشكل الواحد، مثل النص الوجيز داخل قصيدة النثر، أما الهايكو بوصفة موضوعاً فقد أصبح مدار حركة نقدية وكتابات كثيرة، فضلاً عن ذلك هنالك نصوص أشار إليها شعراؤها بأنَّها تنتمي للهايكو، لذلك يجيء هذا المهرجان لكي يتحدّث عن هذا الجانب وينضج الرؤى من خلال نصوص تطرح على المنصة وقراءات نقدية لهذه النصوص، فضلاً عن الجانب التنظيري بصورة عامة.
ويظن السراي أنَّ هناك نصاً وجيزاً وومضة شعرية أكثر من وجود الهايكو ضمن النصوص المشاركة في هذا الملتقى، فلو فحصنا النصوص الأدبية لرأينا نسبة ضئيلة جداً تشبه الهايكو أو لا نجد  من النصوص المشاركة، لأن الأصح هي قصيدة الومضة أو النص الوجيز الذي أنا أقف مع هذه التسمية، ففي الشعر العربي هناك نصوص كثيرة وجيرة تقترب من الهايكو، لكنها تبتعد عنها بتقنياته وموضوعاته، بأصواته المعروفة وتقسيماته أسطره، وهو اختلاف نابع من اختلاف اللغة والبيئة والمرجعيات الثقافية.
 
نصوص عراقيَّة
في حين يجد الشاعر رعد زامل أنَّ النص الوجيز كمصطلح أعم وأشمل، لأنَّ أغلب النصوص المشاركة بالملتقى تبتعد عن شكل وخطاب الهايكو.
أما عن الدراسات النقدية التي قُرئت في الملتقى، فيكشف زامل أنَّ بعض النصوص تقرأ من قبل نقّاد يجتزئون من النصوص ما يريدون ويتغافلون عن قيمها الجمالية الأخرى، لذلك عندما يقسمون النصوص المشاركة في أوراقهم النقدية يتحدّثون إمَّا عن النمطية في النص، أو التكرار بين شاعر وآخر، وفي الحقيقة إن آراءهم مجزأة من دون قراءة شاملة للنصوص.
وبحسب زامل، فإن الأدب العربي عموماً، والعراقي خصوصاً، لا يملك نصوص هايكو يمكن أن تشكّل ظاهرة حتى وإن كانت صغيرة، بل من الأصح أن نسمّي النصوص المشاركة بالنص الوجيز، لكن الغريب أن هناك نصوصاً مطوّلة وهنالك قصائد نثر أو نصوصاً مفتوحاً قُرئت على أنَّها هايكو أو نص وجيز.
 
نقود ورؤى
ربّما ما يحسب لهذا الملتقى أن الدراسات التي ألقيت في أيّامه الثلاثة أعادت قراءة النصوص المشاركة، غير أن الرؤية اختلفت من ناقد لآخر، فهناك من يرى في الكثير من النصوص التي قُرئت على أنها هايكو مستنداً إلى حجمها وترتيبها، غير أن هناك نقاداً آخرين أعلنوا بأن الملتقى كله لم تشارك فيه قصيدة هايكو واحدة، وهذا التباين في الآراء جاء استناداً إلى اختلاف التوجهات الثقافية التي انطلق منها الشعراء والنقاد معاً.
الملتقى اختتمت أعماله صباح السبت الماضي بمشاركة واسعة من أدباء عرب وعراقيين، لكن لم يحدد أحدٌ إن كان الهايكو مرحلة قلَّد فيها العراقيون والعرب قصيدة بعيدة عن ثقافتهم ومرجعياتهم الفكرية، أم أنها ستؤسس لنوع شعري جديد سيتشكّل بعد زمن قد يكون قريباً أو بعيداً.. فالفنون والأنواع الأدبية تتطور مع التحولات التي يمر بها كل مجتمع.