مغفلون تركض معهم مصائدهم

ثقافة 2020/12/26
...

ناجح المعموري 
 
ما زال الشاعر والباحث بحيويته التي تعرفت عليه بها عندما زارني مع الشاعر المعروف عبد الامير خليل مراد، بعد سقوط النظام الفاشي وهما يتشاوران مع عدد من الادباء والمثقفين في مدينة الحلة، باركت تجربتهما الفريدة وعبرت سريعاً عن دعمي لإصدار "هلا"، وفعلا كانت مساهمتي من ضمن مشروعي الميثولوجي. 
باحث متحمس كثيراً ومطلع على كل ما ينشر ومتابع لنشاطي. اطلعت اخيراً على كتابه "مغفلون بلا مصائد" وهو عبارة عن عدد من المقالات القصيرة عن الثقافة وهو معني بهذا المجال الجوهري، وتوسعت مقالاته كثيراً وحازت تنوعاً مثيراً للاهتمام خصوصاً دور الثقافة في تكونات الهوية والأزمة التي تعاني منها 
في الفضاء العربي وثنائية العلاقة بين دور الآخر مع الأنا من خلال الاستشراق وانعكاساته على الثقافات العربية.
إن التنوعات الملفتة للانتباه لموضوعة الثقافة توحي وكأنها أعمدة صحفية، خضعت لذكاء الاستاذ كامل الدليمي بالتركيز واحيانا الاختزال. وكنت ارى بأن موضوعة الهوية الثقافية تحتاج تفصيلاً للمفاهيم المركزة وفتح منافذ موسعة لها وعنها، لان موضوعة الهوية ــ مثلما يعرف الدليمي ــ من القضايا الجوهرية والحيوية في التداول الثقافي والاتصال السوسيولوجي. 
لكني توصلت الى رأي آخر يتمظهر على ضرورات، تنطوي على فوائد مغذية للمتلقي وهي التوفر على تمركزات لأهم العناصر الثقافية التي دائماً ما تلعب دوراً بحضورها من خلال العلاقة مع المتلقي لان الهوية لا تعني مفهوماً محدداً بحاضر التواصل الثقافي، بل هي الخزان العميق الذي صاغ ذاكرة الفرد، ولعب حضوراً ـــ الخزان ــ في تكوين الأنا /الذات كما قال دوركهايم، وأدى دوراً آخر في ترسيم وترصين الحضور الثقافي للجماعة مثلما اشار لذلك فيبر، وتجاور الأنا/والجماعة، الفرد /الافراد ينطوي على تقوية وتحفيز الموضوعية والذاتية وتعزز الطاقة الكامنة في الفاعل الثقافي وتطوير التبادل الذي يجعل من الثقافة مكوناً لا يعني الشفرة، السرية، او الرمز، بل هي الابلاغ المباشر عن كل ما تنطوي عليه الحياة اليومية منذ العتبة البدئية، لان الثقافة 
منتج للطبيعة وايضا الفن وعبر 
التتالي تنمو وتتعمق وتتحول معلماً وملمحاً حيوياً للأفراد المتجاورين، والتي حازت حضورها الخاص بها بمكان هو الفضاء الذي لعب 
واستمر بتكوين الثقافة الخاضعة له وارتضى القبول بالتعايش واعتبارها الموروث المغذي اللاحق، فيتجاور الماضي والحاضر، ويرتضيان 
التحول نحو المستقبل، من هنا تضمر الشفرة او الاشارة وتكبر الرموز 
التي غذاها المخيال الجمعي وتبلورت كل يوميات المكان ومألوفاته، 
فتصير هوية، هي القيم، الاخلاق، العادات، التقاليد، الطقوس الانظمة الزراعية، خصائص الجماعة المميزة لها بالفنون، الازياء، الشعر، الغناء، الرقص.
ان المكونات الثقافة التي رسمت ملامح الذات هي الخلية التي يستمر 
تحفيز حضورها في تداخل الادوار وتنمو وتتحول مجالاً فاعلاً، يستدعي الجدل مع الاخر والصراع ومزاولة العنف، لذا دائماً ما تنشأ التباينات 
بين الجماعات المتجاورة وتدخل متعاكسة مع مجاورتها وتفضي نحو العنف. 
لذا أنا أعتقد بأن العنف هو تشاكس فواعل الجماعات الثقافية واستمرار العنف لزمن طويل لا يعطل التدمير. بل ما يساعد على السلم والامن مثلما قال المفكر ادغار موران في كتابه "هل نسير الى الهاوية" هو قبول الآخر والانصات له والدنو كثيراً بين الجماعات، وتدرك بأن الحوار افضل الوسائل والتعامل مع الاخر من خلال هويته وعناصره الثقافية، وعرف الاستاذ كامل الدليمي بأن الثقافة تعرف نفسها عبر علاقتها بالجماعة الاجتماعية التي تمثلها ومن خلالها يتعرف عليها الآخرون باعتبارهم فواعل منتمية اليها وهي نتاج مكان وتاريخ، وليست معطى جاهزاً ونهائياً، فهي تتطور اما في اتجاه منكمش واما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب اجعلها معاناتهم وانتصاراتهم وتطلعاتهم وايضا باحتكاكها سلعاً وايجاباً مع الهويات الاخرى/ كامل حسن الدليمي /مغفلون بلا مصائد /دار النخبة /القاهرة /2020 /ص56.