(غشلخت 3) في الجنس والعرق والأمة والإنسانيَّة

ثقافة 2020/12/26
...

  د. رسول محمد رسول
 
ما هي العلاقة بين جاك دريدا (1930 - 2004) ومارتن هيدغر (1889 - 1976) التي هي علاقة بين فيلسوف فرنسي وآخر ألماني وكلاهما من فلاسفة القرن العشرين؟ الإجابة نجدها في بعض صورها بكتاب الفيلسوف الأول الذي نُشر بعد وفاته، تحديداً في سنة 2018 تحت عنوان (Geschlecht 3) = (غشلخت 3)، وهو كتاب وفرته دار الكتاب الجديد المتحدة في سنة 2020 بترجمة رائعة له نهض بها المغربي الدكتور عز الدين الخطابي الذي قدّم له تقديماً أبانَ عن دور هذا الكتاب الفلسفي في فكر جاك دريدا.
حتى الآن لا توجد ترجمة لكلمة (Geschlecht) إلى العربية لكنها تشير إلى الجنس والعرق والأسرة والجيل والإنسانية والنسل، كذلك تشير عينيا إلى أربع دراسات كتبها دريدا كانت بمثابة الحوار الذي أجراه دريدا مع فلسفة هيدغر؛ إذ يسمح مصطلح (غشلخت) بالغور في “فتح طُرق عديدة ومتشعبة في التفكير” وهو ما أكّد عليه دريدا فهو يعني: بحسب تنوّع اشتقاقات المصطلح الألماني فهو يعني - بحسب مصطلح  Geschlecht - الجنس والنوع والعرق، ويعني - بحسب مصطلح (Schlag) - الضربة والدمغة والطبعة، ويعني - بحسب مصطلح (Gedicht) - ترجمة عنصر القصيدة، ويعني – بحسب مصطلح (Gesprach) - محادثة وحوار  حميمي بين الفكر والشعر.
 
القوة النشيديّة
في المقالة/ الدراسة الأولى توجّهات لدريدا عن كيفية قراءة هيدغر؛ فهو ينظر لهيدغر وفقا لطريقته وليس لأسلوبه، ويقلّب مفهوم القراءة التي يتصدّى بها لفكر هيدغر، ويتصدى لقراءات عدّة لـ“غشلخت“ بدلا من القراءة الواحدة ومن غير ترك احتمالات أخرى ضمن هذه القراءة. 
ومن ثم يسأل دريدا: كيف يقرأ هيدغر ويكتب؟ وكيف يضع ختمه على نهاية ما يقرأ ويكتب؟ هل يكتب تأويلا أو هرمينوطيقا أو سردا أو قراءة لشعر أو غيرها كالقراءة الفلسفية؟؟
وهكذا يتوغّل دريدا في عوالم الكتابة الهيدغرية مستأنساً بها مقشراً أغلفتها وقشورها وأتونها الدسمة بلا ملل والقراءة الشعرية التي أمضاها هيدغر على الشاعر النمساوي جورج تراكل (1778 - 1914) وبيان قيمة القوة النشيديّة (من النشيد) في تجربة هذا الشاعر ودورها في قراءة هيدغر باعتبار النشيد هو „اللحظة والإمكانية الخاصتان بالقصيدة“، وموجات من تأمُّل بحور الشعر، ثم يعرض للأسئلة المتعلقة بالقراءة الهيدغرية للتجربة الشعرية لـ“تراكل“ بما فيها من قضايا فلسفية في الجلسة التاسعة والعاشرة وما تلاها من جلسات حتى الجلسة الثالثة عشرة.في فصول هذا الكتاب يتأمل جاك دريدا تجربة كتابة هيدغر عن الشعر، وتحديدا عن تجربة الشاعر جورج تراكل الذي يكتب الشعر بالألمانية وهو نمساوي، مع العلم أن دريدا ليس بالشاعر ولا بالناقد لكنه راقت له معاينة تجربة فيلسوف كبير مثل مارتن هيدغر في القراءة الشعرية للشعر وهو الفيلسوف البارز بيد أنه سيواجه قراءة القراءة لتكون قراءته ثالثة أو ما نطلق عيله „نقد النقد“ وهي تجربة قرائيّة دسمة تفلِّي القشور ليظهر العصير منها.
 
وجوه متن الكتاب
إن محنة هذا الكتاب أنه صعب في كل وجوهه؛ وجه هيدغر، ووجه المقروء أو „الشاعر تراكل“، وجه القارئ أو „جاك دريدا“، وجه قراءته، ما يعني أن النص صعب الطيّة، لكن عز الدين الخطابي (مغربي) تصدى لترجمته وفقا للغة عربية سليمة أحسده عليها فبانت معالم النص في كل وجوهه „جزاه الله خير الجزاء“، فعند متن الكتاب راحت الترجمة لديه تنحو البساطة والسلاسة خدمة للقارئ، لكنه كان بارعاً في الإبانة أو توضيح المغلقات في متن الكتاب، وكان بارعاً وموفقاً في ذلك أيما توفيق فطوبى له على هذا المنهج الإباني لأننا بإزاء كينونة نصيّة صعبة المراس في كل مكوّناتها وتجلياتها، كما أن دار النشر برئاسة الأستاذ سالم الزريقاني يبدو أنها أصرّت على خروج الكتاب بهذه البراعة الترجمية فله التحية والتقدير.