برد

ثقافة 2020/12/26
...

حميد المختار 
 
في بداية موسم البرد وهبوط درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها وأنت وحدك في مواجهة تقلبات الطقس واختفاء الشمس العنيدة التي طالما أحرقك شعاعها وأذاب روحك وبدنك، ماذا ستفعل في غرفة المكتبة الشبيهة بالفريزر .. !؟ ستقرأ قصائد عن موسم الدفء وفصول الربيع والاعتدال! وتقرأ (أيتها الشمس يا قامة الكينونة الرفيعة قولي لي، قولي كيف أتمسك بحبل الثقة المهتز وسط لظاك اللامنتهي)..! هذا المقطع لشاعرة إيرانية اسمها “طاهرة صفار زادة” وإيران لم تكتوِ بشمس الصيف كما يكتوي العراق .... حين تصل إلى اللظى اللامنتهي تشعر بنشوة الدفء وذكريات أماسي الصيف كلما هبّت نسمات منسية وهاربة من ذاكرة الشمس الحمقاء، ألا تتمنى الآن ولو (نصف شمس صفراء! ) وتشارك الروائية (تشيما ماندا) في هذا الدفء العظيم، ولكن وأنت في حالتك هذه حيث الوحدة الباردة قد ضربت أطنابها حولك لن تكفيك (ألف شمس ساطعة)، ولهذا فان الروائي “خالد حسيني” لن يستطيع الاقتراب منك وسيغادر مع شموسه الألف بعيدا ... أنت في العراق والعراق يقع في بؤرة ساطعة من السخونة والتصحر. 
وحين تذكر في أوراقك ثمة ثلج في ليلة الزمهرير سيضحك الكثير من الأصدقاء متسائلين أي ثلج عراقي هذا سيطفئ لهيب النفوس المحاصرة في (مضيق الثلوج والدماء( ..! وكأنك تتشارك مع الكاتب السوفيتي “فرمان كريم زادة” وأنت تعود معه إلى تلك العهود الاشتراكية بينما تعيش عهدا جديدا من الديمقراطية العرجاء والشوهاء، لكن المضيق هو ذاته المضيق والدماء مازال لونها أحمر وملمسها دافئا وهي تخرج من أجساد نازفة أبت إلا أن تقول كلمتها وليأتِ بعد ذلك الطوفان، طوفان دم أو ثلج أو برد بلا شموس، فقط غيوم تحيط بالمدينة وتقود نهاراتها إلى ليل بهيم، حتى المكتبة في الليل لن تكون هي في النهار، الكتاب له حالات وطقوس وله برده وشموسه ودفئه ولذلك وعيتَ الآن وانتبهتَ إلى نفسك واكتشفت أنك مع “روبيرتو بولانيو” محاصر في (حلبة الجليد) ولا تعرف إن كنت (فوق الجبل أم تحت الجليد(! وهو ذات السؤال الذي يطرحه “حنا مينا” الكبير قبل رحيله، لهذا فهو يقترح عليك أن تعيش حالة البطل في رواية (الشمس في يوم غائم) هي شمس ولكنها هشة وشاحبة. 
حين تنظر إليها يتسرب إلى جسدك الجليدي شيء من دفء قديم ربما هو دفء الطفولة العالق في الذاكرة، أو ابْتَكِر شموسك الخاصة بك، ثمة شمس ودفء في أعماقك وعليك أن تخرجهما في أيام البرد والجليد والوحدة القارصة، لذلك سأعلن تمردي وتضامني مع الشاعر “محمد رضا شفيعي” وهو يقول (هكذا نعيش بلا ثقة بالشمس/ بلا ثقة بالتربة والماء/ بلا ثقة بكل الأشياء)، لهذا سأرتدي أجنحة الغابة وأقرع النوافذ النائمة كما تفعل طيور الليل حين تحتفي بليل الأقمار الأخيرة .....