إصلاح أم تقشف؟

اقتصادية 2020/12/26
...

ياسر المتولي 
 
بدا جلياً أن الحكومة حسمت أمرها بانتهاج سياسة الاصلاح التقشفية لمواجهة التحديات الكبيرة جراء الازمة المالية التي تعصف بالبلد، وهو إجراء (آخر العلاج الكي) تتخذه الدول في حال نفاد كل وسائل مواجهة التحديات التي  تفوق قدراتها.وبغض النظر عن أسباب الأزمة المالية سواء أكانت الجائحة او الفساد او هدر المال العام أم سوء الادارة، فرض الامر الواقع  ورمت الحكومة الكرة في مرمى البرلمان، فهل سيمررها كلها ام يجتزئ بعض القرارات ويعدّلها، يأتي هذا وسط اعتراضات واسعة للآثار الموجعة التي سيخلفها الاصلاح التقشفي مهما كانت التبريرات.  
من المفيد هنا الاشارة الى التحذيرات التي اطلقناها في مقالين سابقين: 
الاول؛ حمل عنوان (التقشف وارد) منتصف شهر تموز الماضي والثاني؛ (القوة الشرائية) مطلع تشرين الاول الماضي ايضاً، تناولت فيهما توقعاتي بما سيحدث اذا لم تتخذ اجراءات سريعة لتلافي الازمة، وركزت على تفعيل القطاعات الانتاجية وضرورة السيطرة على ادارة المال العام، ولكن للأسف لم يُنتبه الى التحذيرات.الآن، ما التدابير المطلوبة للتخفيف من وقع الاثار المترتبة على هذه الاجراءات المتعلقة بخفض قيمة الدينار وفرض ضرائب على الرواتب مع افتراض اقرار البرلمان لموازنة العام (2021)؟.هنا تكون المسؤولية مشتركة تتحملها جميع الجهات المعنية والجهات المتضررة من هذه الاجراءات التقشفية، فالحكومة مطالبة بالسيطرة على تداعيات الاسعار ومراقبة السوق ومعاقبة ذوي النفوس الضعيفة من المحتكرين وخصوصاً تلك الاسعار المتعلقة بالسلة الغذائية والدوائية.
الامر الثاني والذي يأتي بذات الاهمية الموقف المشرف لتجارنا الشرفاء بقطع الطريق على المتلاعبين بالاسعار، وان يثبتوا وطنيتهم وانسانيتهم حتى إنجلاء هذه الأزمة بإذن الله تعالى، من خلال وضع هوامش ربحية معقولة واعلان التسعيرة امام الملأ لتقوم الجهات الرقابية بواجباتها وفق العدالة والقانون.المواطن وهو المعني والمتضرر الأول، ومعروفٌ عن أبناء العراق النجباء مواقفهم بمواجهة الظروف العصيبة، فيتطلب منه تصحيح السلوك الاستهلاكي للأسرة بايقاف التبذير والاسراف وتأجيل اقتناء بعض الحاجات الكمالية الى حين، ورغم ان كل الحاجات هي اساسية ولكن في ظرفنا هنا يعود التمييز بين ماهو اساسي وكمالي، مع يقيني ان مواطننا يتفهم الوضع العام ويؤمن بسياسة الامر الواقع التي أمليت في هذه المرحلة الحرجة.
وازاء هذا الموقف المساند والمشرف من قبل المواطن لاسناد القرارات التي يفترض ان تكون لمواجهة التحديات بغض النظر عن الأسباب والمسبب، فيتعين على الحكومة عدم استكثار الرفاهية على المواطن، ونذكر وزارة المالية التي استكثرت المرتبات الجيدة لبعض موظفي الدولة ان المنجز الوحيد الذي تحقق بعد مرحلة التغيير في العام  (2003 ) هو تحسين المستوى المعيشي للمواطنين من خيرات وثروات بلدهم، وليس منةً من أحد فلا تمسحوا هذا المنجز الوحيد من ذاكرة العراقيين.
وبهذا الصدد نقترح أن تكون الاستقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين. على هيأة ادّخار اجباري يعاد اليهم بعد انجلاء الازمة وتحسن وضع العراق الاقتصادي، وحين تنجح الحكومة بادارة المال العام مستقبلاً لتعم الرفاهية لجميع ابناء الشعب وهو أنبل هدف وأسمى الاهداف المرجوة الا وهي التنعّم بثروات البلد لا إهدارها وتركها بيد لا تحسن التصرف بها.