أزمة الثقة تعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية

الرياضة 2020/12/27
...

 
 بيروت: جبار عودة الخطاط 
 
اتخذَ مسار تشكيل الحكومة اللبنانية في الاسبوعين الأخيرين، في لبنان خطاً متذبذباً يتأرجح بين التفاؤل الحذر، والتشاؤم الحاد، حيث بقي هذا التذبذب صعوداً ونزولاً، وإن كان الطابع الغالب هو الإحباط من مخرجات الصراع السياسي؛ بين الفرقاء الذين انعدمت الثقة في ما بينهم، فغرقت الحكومة في رمال تصفياتهم السياسية. 
وتفاعلت عوامل التفاؤل النسبي بعد اللقاءات الأخيرة بين الرئيسين ميشال عون، والمكلف سعد الحريري، وقد بلغ هذا التفاؤل أوج مناسيبه الاسبوع الماضي؛ إثر وساطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بين الطرفين، والتي أعقبتها تصريحات للحريري تبشر اللبنانيين بقرب انطلاق الدخان الحكومي الأبيض من قصر بعبدا، في حين تفاقمت عوامل التشاؤم الذي فرضته وتفرضه معطيات التعطيل على الأرض، بعد أن تبين أن ما صرح به الحريري عن تشكيل حكومي خلال يومين، لم يكن ليستند الى معطيات حقيقية، وأن ثمة تقاطعات بين الحريري وعون، وإن تذليلها مازال بعيد المنال، لا سيما في ما يتصل بالحقائب الوزارية العدل، والداخلية، والدفاع، ويمكن ملامسة كنه الخلاف بين الطرفين، عند النظر لطبيعة الوزارات التي يدور حولها النزاع السياسي، وحرص الفرقاء على الظفر بها، أو على الاقل إبعادها عن متناول الطرف الآخر، لكي لا يتخذها سلاحاً في معترك يسعى فيه المتصارعون؛ الى توظيف ما يمكنهم من مقدرات حكومية، في كسر إرادة الطرف المختلف، وربما استطاع الرئيس المكلف سعد الحريري أن يختزل المشهد السياسي المأزوم الراهن في لبنان؛ بقوله بعد لقاء عون: «إن الثقة معدومة بين الفرقاء في لبنان منذ عام وحتى اليوم». 
فالخلاف الحاد بين الرئيسين تجلى بشكل واضح في لقائهما الأخير؛ في مقاربة آخر تشكيلة مكتوبة قدمها الحريري الى عون، بعد أن كانت الأسماء تدور في الفلك الشفاهي، وهنا برزت عقدة ما يصطلح على تسميتها بالوزارات الأمنية، وخشية كل طرف من إلحاقها في معسكر الطرف الآخر، لانعدام الثقة بين الطرفين، وهذه المعضلة برزت أخيراً بعد أن كسر القضاء اللبناني التابوات والأعراف، باستدعاء شخصيات مرموقة محسوبة على خط سياسي واحد، مما عدّته أطراف نافذة استهدافاً سياسياً مغرضاً، وتسّييساً للقضاء الذي قام يوم 11 من الشهر الماضي، وفي خطوة لافتة باستدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ووزراء آخرين ينضوون تحت لواء جهات سياسية نافذة، إلى جلسة استجواب بصفة مدّعى عليهم في التحقيق حول التفجير الكارثي لمرفأ بيروت،  الذي وقع في 4 آب الماضي، وقتها حدد المحقق العدلي في بيروت، فادي صوان، جلسات تحقيق مع دياب، وكل من وزير المالية علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة، غازي زعيتر، ووزير النقل، يوسف فنيانوس، بتهمة «التقصير والإهمال، والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص».
وتشير أوساط قريبة من فريق 8 آذار، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، وحتى الحريري  الى أن تلك الاستدعاءات لم تكن لتحصل لولا تدخل الوزير السابق جبران باسيل، وربما الرئيس ميشال عون، وإن الاستدعاءات طالت فريقاً سياسياً من دون آخر، وإن الأمر إن لم يتم تداركه وكبح جماح من يقفون خلفه فأن شفرة الملاحقات القانونية ستصل الى ذقون الباقين.. بل إن الحديث صار يدور في حينها عن «وجود «غرفة سوداء» شبيهة بـ «المكتب الثاني» في بعبدا لفبركة الملفات باتت ناشطة وتقوم بعملها» كما قيل في حينها !.
لذلك نلمس اليوم حدة الصراع، وما يتخلله من كباش حكومي، يدور حول التشبث بحقائب أمنية من دون غيرها، فالأمر مرده انعدام الثقة والخشية من تصفية الحسابات، وربما اختلفت رؤية الرفض لمسألة استدعاء رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب في وقتها، فالحريري رأى فيه استهدافاً لمقام رئاسة الحكومة التي يسعى إليها، وهو يريد قطع الطريق على استدعاءات مستقبلية يمكن أن تطاله، بعد تشكيل حكومته إن هو سكت عن استدعاء دياب، بينما قارب نادي رؤساء الحكومات السابقين ومعهم المفتي اللبناني المسألة من زاوية نظر طائفية، فهم رأوا في استدعاء دياب تصويباً على (الطائفة السنية) باعتبار أن رئيس الحكومة بموجب العرف اللبناني من حصة السنة، فيما رأى بري وفرنجية وفريق 8 آذار الاستدعاء استهدافاً لفريقهم السياسي. 
لهذا سارع الحريري في حينها الى رفض ما وصفه بـ»الخرق الدستوري الذي ارتكبه قاضي التحقيق العدلي، فادي صوان، بالإدعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، في قضية انفجار مرفأ بيروت»، الحريري زار وقتها  دياب في السراي الحكومي مشدداً على «التضامن مع دياب بعد الإدعاء عليه، في قضية انفجار المرفأ، ولكي أعبر عن رفضي المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح، الذي ارتكبه القاضي بالادعاء على رئيس الحكومة».
متابعاً أن «رئاسة الحكومة ليست للابتزاز، من الآخر، وهذا الأمر مرفوض، ونحن لن نقبل به».
كما رفض في وقتها، نادي رؤساء الحكومات السابقين ذلك في مناسبة نادرة، في تناغمهم مع موقف حزب الله، برفض استدعاء دياب والوزراء الثلاثة. 
وتبقى مسألة ترميم هذه الثقة المفقودة، أو حتى تحجيم مساحتها، بحاجة الى جهد وضغط لا يقدر عليه؛ سوى المؤثر الخارجي الذي أفضل من يمثله اليوم فرنسا، حيث يأمل المراقبون أن تستعيد عافية حراكها في لبنان، بعد استعادة ماكرون لعافيته.