ملتقى «الهايكو والنص الوجيز».. نهر حياة يتجدّد
ثقافة
2020/12/28
+A
-A
البصرة: الصباح
افتتحت البصرة للمرة الأولى في العراق، بل في الوطن العربي ملتقى «الهايكو والنص الوجيز» الأول دورة الشاعر مصطفى عبد الله، الذي اقامه اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة - منتدى السيّاب الثقافي تحت شعار (الشعر: نهر حياة يتجدّد) المتخصص في القصيدة القصيرة الموجزة الحديثة وما بعد الحداثة، كما قال رئيس اتحاد أدباء وكتاب البصرة الناقد الدكتور سلمان گاصد، في كلمته التي القاها في جلسة الافتتاحية.
نهر حياة يتجدد
وقال نائب رئيس اتحاد أدباء وكتاب البصرة ورئيس اللجنة التحضيرية للملتقى الشاعر حبيب السامر إن «هذا الملتقى يشتغل على التجديد والحداثة، وإقامته جاءت بالتزامن مع ذكرى وفاة السياب في عامها السادس والخمسين».
وقد اعتمد اتحاد أدباء وكتاب البصرة شعارا يتسع لكل التأويلات الناضجة باتجاه التجديد وتفعيل المشهد، على الرغم من الحذر الشديد من فيروس كورونا اللعين، وشعارنا هو» الشعر: نهر حياة يتجدد»، بمشاركة من شعراء الهايكو والنص الوجيز، كما يوضح السامر، ولأن الدعم المادي لا يتركنا ننفتح كثيرا على كل الأسماء والمحافظات «فإننا دعونا فقط اسماء لها أهمية في خارطة الشعر بشكله الحديث والمتجدد، لأننا ليس باستطاعتنا أن نغطي محافظات العراق، بسبب الدعم الضئيل والذي حاولنا ان نعمل ما بوسعنا لتوسيع آفاقه»، وفق تعبيره.
وبدأ الملتقى الخميس 24 ديسمبر/كانون الأول في مدينة البصرة وأستمر على مدى ثلاثة أيام، وحضره جمع من الشعراء والنقاد وغيرهم.
و«الهايكو» كما عرّفه الناقد حامد عبد الحسين حميدي بأنه يمثل حلقة تواصلية ما بين الثقافة اليابانية والثقافات الأخرى، لأنه اللون الشعري الوجيز المتوهج، الذي أغرى الكثيرين بمجاراته من خلال الدخول في عوالمه، ومحاولة استكشاف ما فيه من جماليات ورؤى جاذبة، مما جعل امتداده يأخذ طابعاً عالمياً مؤثرا، وليحدد اشتراطاته وقواعده عبر مأ أشيع منه من مناخات شعرية.
فالهايكو/ كما قال حميدي عبر الورقة النقدية المشاركة في الملتقى قصيدة قصيرة موجزة في ثلاثة أسطر فقط، تعتمد على اللغة الحسية القوية المكثفة لتحظى الكلمات بمعنى مركز، تتمحور ضمن مصدرها الأساس، ألا وهو الطبيعة وتشكيلاتها التي تعد مادة الشاعر الأساسية، حيث الاندماج والغوص في مضامينها، لذا هي تنصب كليا في موضوعها عن شيء واحد. هي قصيدة تلتزم بالشكل البنائي للقصيدة وهي في هذا أقرب إلى قصيدة النثر ولا يشترط فيها وجود قافية أو وزن أو التزام بإيقاع محدد، لأنها تعتمد طريق التفاصيل الحسية والغرض منها: ايصالية المعنى الموجز البسيط حول موضوعها إلى القارئ اعتمادا على يقظة الحواس وتحريك الذهن والعاطفة، فهي تحفز الحواس تحفيزا متكاملا (الشم، اللمس، السمع، التذوق، البصر).
النص والبناء الحر
وضم الملتقى خلال أيامه مشاركة لعدد من الأكاديميين والنقاد من بغداد والمحافظات والبصرة، وكانت قصائد المشاركين قد ارسلت إلى النقاد وفق ترتيب الجلسات الشعرية.
وقد تعرف الحضور من خلال جلسات النقد على تطبيقات وشروط الهايكو - الذي شغل خيال الكثيرين من الشعراء، يقول الناقد الدكتور علي متعب جاسم في الورقة النقدية، التي القاها نيابة عنه رئيس اتحاد ديالى الشاعر علي فرحان في جلسة ملتقى «الهايكو والنص الوجيز»: ليس ثمة مقاسات نقدية تحاك على جسد القصيدة. القصيدة تفرز رؤيتها النقدية برؤية الناقد الذي يتحرك اصلا ضمن رؤية نقدية ومنهج مستند الى معرفة، هذا الامر طبيعي كما يفترض. ولأنه كذلك فانا لا اشعر اننا – في هذا المقام – بحاجة الى اسداء مفاهيم واضافة تنظيرات فائضة عن الحاجة . سندخل بشكل مباشر الى النصوص التي وصلتني لمقاربتها نقديا.
وسأفترض بدءا انها تنقسم الى ثلاثة اقسام. هذه الاقسام لا تعتمد اشتراطات الشعرية – أيا كانت تصوراتها او منافذ الدخول اليها ، فهذا أمر لاحق سيتبين بعد قليل – ولكن التقسيم وفقا لأنماط بنائها وهي: (نصوص الومضة، «الهايكو»، نصوص القصيدة القصيرة جدا، نصوص القصيدة القصيرة).
ويوضح الناقد أن اولى الاشارات مع نص «الهايكو» نتنبه إلى كونه مصطلحا لا نظاما بنائيا. النظام البنائي يكتسب شرعيته من منظومة معرفية اقلها او احدى ركائزها اللغة. ولا أريد أن أدخل في فوضى المصطلح لأن اليقين أن النص يفرز شعريته وهي تحتوي على نظامه. ما يهمنا شعرية النص لا نظامه البنائي في اخر القول.
ووفقا لهذا سيتعين على متلقي هذه النصوص أن يفرد بعضها عن بعض وأن ينتبه الى خطورة التقارب المفترض، بين مفاهيم سيقت بنوع من العمومية لتكون حاضرة تحت مسميات اجناسية مختلفة. كان تداول”التكثيف والرمزية العالية واللغة المقتصدة وغيرها” قد أصبح من الحدود العامة والمشتركة بين القصة القصيرة جدا وقصيدة الومضة والقصيدة القصيرة جدا وربما غيرها. هذه المفاهيم لم تعد
صالحة للفرز أو التجنيس، واذا كنا ألفناها مع بداية شيوعها في التسعينيات من القرن الماضي، فهي اليوم رسخت وجودها
وبات من الضروري اعادة التفكير من جديد فيها.
ظاهرة القصيدة القصيرة جدا «مثلا» لم يجر رصدها بعناية، لقد ذهب النقاد الى تحديد شكلها وفقا لمعيارين، معيار القصيدة القصيرة ومعيار القصيدة الومضة، في حين ان الاخيرة شكل من اشكالها كما تندرج تحته ايضا قصائد الجملة او الصورة، ومعروف ان القصيدة القصيرة لها اشكالها ايضا.
والفرق الاساس بين القصيرة والقصيرة جدا ان الثانية ظهرت استجابة لمجموعة من التحولات الاجتماعية والثقافية، “من المهم الاشارة الى ما تبناه الشاعر التسعيني من ضرورة التصاق الشعر بالإنسان وبالحياة” و يمكن ان نشير الى واحدة من اخطر ظهورات الواقع تلك هي ان الشاعر تحولت مجريات تفكيره من الذهنية الى الحسية. أصبح الواقع أمامه جزءا من مخيلته. الصور المتعاكسة والمتداخلة، حركة المدينة وضجيجها، عرض الاخبار والسوشل ميديا، الضغوط الاقتصادية الى غير ذلك، ادت الى تحرر مخيلة الشاعر، لتستجلي المرئي والمحسوس والمعاش في لقطات او مشاهد، مولدة ايقاع الحركة اليومية من كل ما سبق.
القصيدة القصيرة جدا اذاً ليست بؤرة عاطفية واحدة، أو فكرة واحدة يجري ملاحقتها كما يقول عز الدين اسماعيل وغيره. إنها كتلة حسية تجعل القارئ جزءا منها بل قد لا يتفاعل إن لم يستطع هو أو لم تستطع هي ادخاله إلى هذا المزيج الحسي المتخيل. ولا ينفلت منها من دون أن تترك فيه اثرا ليس بالضرورة أن يكون جماليا بالمفهوم الأدبي.
بناء على هذا التصور فان هذه القصيدة هي ما تمثل راهننا بخطوط واضحة على الاقل، مع بقاء سيرورة النصوص القصيرة والطويلة لكن ضمن حقول أخرى.
وبناء على هذا التصور أيضا يمكن أن تتخذ هذه القصيدة اشكالا وهيئات كثيرة وتعتمد تقانات مختلفة لكن الاظهر فيها بحسب ما لاحظناها عند بعض الشعراء هو «المشهد» الذي يرصد لحظة تتشابك فيها «اللحظة الزمنية، العقدة، اللحظة الاحتمالية». مع الإشارة إلى النمو الانفعالي بشكل مضطرد مع النمو اللغوي المكثف.
ما نعنيه بلحظة التشابك، أن اللحظة الزمنية هي تقابل الى حد ما لحظة «رصد» عند الشاعر ولحظة قراءة عند المتلقي ونريد بالعقدة، قمة التوتر اللغوي عند الشاعر وعند المتلقي وما نريده باللحظة الاحتماية، هي اللحظة المتخيلة التي يستعيد من خلالها المتلقي صورة النص. صورة ما حدث تحديدا. لان القصيدة القصيرة جدا قد لا تمهل القارئ لحظات توقف، انها «تنجز بنفس واحد» و«تترك في الذهن ذكرى اشد». كما يقول بودلير.
هذه الركائز الثلاث يمكن أن تستثمر في قراءة قصيدة الومضة لكن برؤية متباينة او مختلفة الى حد ما. وهذا تابع الى الشكل الذي تتبناه الومضة بصفتها ظهورا من ظهوراتها.
قصائد مشاركة
وشارك في الملتقى أدباء من مصر والمغرب وعدد من شعرائنا في الخارج مثل سامح درويش وعبدالقادر الجموسي من المغرب وحسن التهامي من مصر، والشعراء العراقيين عبدالكريم كاصد وعدنان الصائع وكذلك عبدالحميد الصائح وهم مقيمون في لندن وستتم قراءة قصائدهم من قبل شعرائنا وبأسماء منتقاة،
منهم:
الشاعر عدنان الصائغ
مقيم في لندن:
(1)
رجلٌ سكّيرٌ شبقٌ.. يُخاصِرُكِ في الحانةِ
وأنا أرقبُهُ بغَيْرَةٍ، رغمَ أنَّهُ
لمْ يكنْ أحدٌ سواي.
(2)
حينَ طردوهُ من الحانة
بعد منتصفِ الليل
عادَ إلى بيتهِ
أغلقَ البابَ
لكنَّه نسيَ نفسَهَ في الخارج.
(3)
المسافةُ القصيرةُ التي بين شفاهنا، مفتوحةٌ...
لكلِّ الاحتمالات كـقصيدةٍ، لمْ تكتملْ بعد.
سامح درويش من المغرب:
1
ظُلْمَة،
المِرآةُ ضَريرَةٌ
لا تَرانِي.
2
يحزّ في القلب أنْ تبِيتَ في البرْدِ، أيّها القَمر.
3
النّافُورَة،
يالَلْمَكِيدَة
لِتَعْذيبِ المَاء.
أما الشاعر عبد الامير العبادي:
(1)
يقولُ صديقي
انكَ في وطنٍ محتلٍ
تناسى انهُ يستلمُ الاعانةَ
من البلدِ الذي احتلني
(2)
الشعراءُ النبلاءُ
يحلقون فوقَ ظهرِ البراقِ
وحينَ يسقطون
يبحثون عن الحميرِ
لن يجدوها
(3)
حينَ يزدادُ عديدُ المنصاتِ
تكون الكتابةُ عن القمامةِ
الشاعر كريم جخيور:
(1)
من أجل بياضٍ
أشدّ وطأة
السواد يلوّح بالمكوث
(2)
الوطاويط
مدلّاة بخيط الخرافة
يناكدها قوس الفضاء
(3)
أصابع الغبار
ترتّب لقاماتنا
عويلاً حاداً
الشاعرة ابتهال بليبل:
(1)
مضى علينا كثير من الموت ولم ندفن بعد.
(2)
الطفل الذي كنت أتمناه لسنوات وأنا المرأة العاقر
الطفل الذي حصلتُ عليه بالنذور الرهبانية
لجأتُ مؤخراً لعرافة حينا القديم،
لتوسيع قَلبه.. القلب الذي ضاق بي.
الشاعر علي السالم:
(1)
ليلةُ القدرِ
مسْجِدان غارقان بالنور
عينا حبيبتي
(2)
عصا الريح
تَهُشُ قَطيعَ الغيوم
عن مَرْجِ القمر
الشاعرة راوية الشاعر:
بـعضُ الـشعراءِ
يـقتلون الأشـجارَ
كـل يـوم..
كـل يـوم
وبـعضُ الـشواعـرِ
يـصررن عـلى الـبقاء خـشباً
والـكثير
الـكثير مـن الـماريـن
يـجيدون الاحـتراقَ
كـل يـوم..
كـل يـوم
فـي حـفلِ شواءٍ لـلقصائـد
الشاعر علي القيسي:
(1)
بحرصٍ يعتني
بالأشجارِ الصغيرة
حطّاب.
(2)
الطفل الذي يحلمُ بالتحليق
على الطائرة الورقية
يكتب اسمه.
الشاعرة نورس الجابري:
(1)
أنا سمكة جمدت البحر
وشجرة تأكل نفسها
ولحن عالق
بحنجرة طائر ذبيح
تطاردني اللعنة مثل قطة سوداء.
كأن أكون نجمة
محنطة في الزاوية الأخيرة من السماء.
(2)
الرجل الذي وضع الشمس في جيبي
وأسدل الليل على كتفي زرعتُ
وجههُ على جسدي في موسم الوشم
قمراً مطعوناً بالفراغ
ورميتهُ من نافذة
الوقت قبل أن يهجرني
كما لو كنتُ قبراً.
(3)
سأخبركَ بأسرارِ الجروحِ..
وتراها بعينكَ المجردةِ لتذكرني
كلَّ مرَّةٍ بدمعةٍ أو شتيمةٍ
سأزرعُ بفمي على جسدكَ
ندوباً صغيرةً عميقةً ورفيعة.
وأترككَ هناك تخبرُ الطبيبَ كيف يمكنُ
لمشرطٍ أنْ يجعلَكَ شاعراً.