قصيدة (السوسنة البرية) للشاعرة لويز غليك

ثقافة 2020/12/28
...

محمد تركي النصارالنصار

 
 
ولدت لويز غليك في عام 1943 في نيويورك، وعملت أستاذة للأدب الانجليزي في جامعة ييل الأميركية. وحصلت على جائزة نوبل للآداب لعام 2020.
ويتعامل شعرها مع واقع الوجود الإنساني والتجارب المؤلمة فيه وتركز على موضوعات من أمثال: الموت والطفولة والحياة العائلية.
وتستلهم في الكثير من أعمالها الميثولوجيا الإغريقية وشخصياتها، خاصة النسوية منها..
تعد قصيدة السوسنةالبرية للشاعرة غليك من النوع المركب، الذي يستخدم اللغة المجازية بشكل عميق فهي قصيدة تصف الموت من وجهة نظر زهرة.
ومن خلال الأبيات القصيرة في القصيدة تصف المتحدثة ماذا يعني أن تعيش، وتموت وتبعث من جديد اذ تتكرر هذه الثلاثية في دورة لانهائية من التواتر بالنسبة للسوسنة، انه الصراع الذي يفضي الى باب في النهاية،ضوء في نهاية النفق. ويتم التعبير بشعرية عالية عن فكرة الدفن والخروج الصامت وأعادة اكتشاف الصوت عند لحظة انثناء الأرض، وبينما تتحدث الشاعرة عن زهرة السوسنة،فإنها تتحدث أيضا عن معان تتعلق بالإنسانية والروح البشرية. وبالإمكان أيضا قراءة القصيدة بوصفها تصويرا لإعادة الخلق الذهني أو العاطفي أكثر من الفيزياوي.
تستخدم الشاعرة بشكل واسع المجاز والتشخيص واسلوب تقطيع الأبيات قبل أن تنتهي بشكل طبيعي.
وفي التشخيص تستخدم الشاعرة صفات انسانية لأشياء غير بشرية حيث تعطي للسوسنة خصائص بشرية مثل قابلية تذكر الوقائع والاحداث وايصالها للقارئ.
وفي الأبيات الاولى تطرح المتحدثة معلومة بسيطة معتمدة اسلوب البتر وتلمح الى الظلام والضوء. والمتحدثة هنا قد تكون الزهرة أو شخصا اخر يعاني لكن في نهاية هذه المعاناة ثمة باب، والباب هنا رمز للأمل، السعادة والسلام:
عند نهاية عذابي
كان ثمة باب
اسمعني.. ماتسميه موتا
أتذكره
وربما يسبب استخدام كلمة (باب) ارباكا بخصوص هوية الشخص المتحدث، اذ من غير الواضح من هي وما هي التجربة التي مرت. وتدعو القصيدة القارئ الى الاصغاء في المقطع الثاني.
وهذه الكلمات تأسر الانتباه موحية بأهمية الأبيات الآتية من القصيدة. مؤكدة أنها تتذكر الموت لكن هذا الموت له معنى مختلف هنا، ان الموت الذي تتذكره يختلف عن مفهوم القارئ وهذا يرجح امكانية أن يكون المتحدث هنا هو زهرة السوسنة البرية.
وفي المقطع الثالث تأخذ المتحدثة القارئ خارج العالم المجازي الى العالم الفيزياوي الواقعي أو هكذا يبدو الأمر،فالأبيات هنا تصف الضجيج في المحيط الطبيعي وهذا مثال جيد للصورة السمعية،حيث الشمس واهنة والريح تحرك الأغصان، وفجأة يسود الصمت في اشارة الى موت وشيك الحدوث، أو الى فضاء مقفر في ذهن المتحدث:
 
 في الأعالي... ضجيج
أغصان الصنوبر تتمايل
ثم لا شيء
الشمس الخافتة يومض شعاعها
على السطح الجاف. 
 
وفي المقطع الآتي تستمر المتحدثة قائلة:إنه لأمر فظيع أن تبقى على قيد الحياة كوعي، بينما تكون مدفونا في باطن الأرض، صورة معتمة ومخيفة تستدعي في الوقت ذاته صورة الناس الذين يتم دفنهم احياء:
فظيع أن تعيش
ووعيك مدفون
في ظلام التراب
والسوسنة التي تكون في مركز القصيدة يتم دفنها في الأرض المظلمة لكي تنمو،شيء ليس مخيفا لكنه باعث للحياة، وهنا من حق القارئ أن يتساءل لماذا تصف الشاعرة هذا الأمر بالفظيع والأبيات الانفة مثال جيد لاستخدام التشخيص، أي اضفاء صفات انسانية على ماهو غير بشري. وتتطور حالة الزهرة في الابيات الاتية لكنها تظل غير قادرة على التعريف بنفسها،لأنها لاتملك صوتا ثم تصل اخيرا الى الخلاصة فتنثني الأرض حين تفرض الزهرة طريقها خلالها:
ثم انتهت فجأة.
تلك التي تخشى أنت
انها روح لاتقوى على الكلام
حيث انثنت الأرض الصلبة قليلا
ومرت ما رأيتها طيورا سريعا
في أسراب صغيرة
 
أريد أن اخبرك
بأنني أستطيع الكلام مرة اخرى
فكل مايعود من النسيان
يسعى للعثور على صوت. 
 
وهنا تتذكر المتحدثة كيف كانت الاصوات التي سمعتها غريبة والان تعرف بأنها أصوات الطيور. والصورة الشعرية تدعو القارئ لتخيل أن الطيران يحصل تحت الارض وصورة الطيور مهمة هنا فهي ترمز الى الروح الانسانية والحرية والسلام:
في مركز حياتي
تدفق ينبوع عظيم
بظلال زرقاء عميقة
غامرة مياه بحر لازوردي.