التخطيط المالي والقرارات الاقتصاديَّة

اقتصادية 2020/12/29
...

أ. م. د. أحمد الحسيني 
 

يبدو أنَّ التخطيط المالي في العراق خصوصا بعد 2003 وتغيير النظام السياسي في العراق لم يأخذ على عاتقه بشكل جدي معالجة القضايا المجتمعية الرئيسة مثل محاولة تخفيض نسب الفقر.على الرغم من الإعلان الرسمي عن ستراتيجيتين للتخفيف من الفقر (2010-2014) و (2018-2022)، وزارة التخطيط العراقية تعلن مؤخرا عن احتمالية ارتفاع معدلات الفقر في العراق الى 32 بالمئة، وارجعت السبب الى الاثار التي تركها Covid-19، وربما اثار الجائحة واضحة للعيان وماخلفته من حالة ركود عام في السوق العراقية وتعطيل لحركة النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، خصوصا في صفوف الفئات الهشة التي تعتمد على عملها اليومي لكسب قوتها.ولكن يبدو أنّ وزارة التخطيط أغفلت أسباباً أخرى ربما تكون أكثر إيقاعا وتأثيرا من اثار الجائحة واهمها، قرارات اللجنة العليا للسلامة والصحة الوطنية بفرض حظر للتجوال استمر فترة ليست بالقصيرة مما اثر في مستويات الدخول لتلك الفئات التي تمثل معظم الشعب العراقي، وهذا ما قاد في مرحلة لاحقة الى زيادة معدلات الركود الاقتصادي في الاسواق؛ لأنّ تلك الفئات تعد الاكثر استهلاكا وهي التي تقود حركة الطلب الكلي في الاقتصاد، وكان من المفترض أن توصي اللجنة المذكورة سلفا بضرورة تغطية نفقات المعيشة لتلك الفئات اذا كانت تبغي تحقيق أقصى فائدة من قرار حظر التجوال الصحي، ولكن لم نلحظ هذا الشيء، اضف الى ذلك القرارات الاخيرة للحكومة العراقية والمتعلقة بخفض قيمة الدينار العراقي وفرض ضرائب تصاعدية استهدفت فئات معينة من دون غيرها، ومقترح خفض التخصيصات لأكثر من 3 ملايين موظف ضمن المؤسسات الحكومية العراقية. كل هذه العوامل من المتوقع أن تؤثر سلبا في حركة النشاط الاقتصادي ومن ثم التأثير سلبا في الفئات الهشة والأكثر فقرا في العراق، خصوصا اذا ما علمنا ان معظم الفئات المصنفة ضمن خط الفقر الوطني او تحته تعمل في اعمال بسيطة متعلقة بالاسواق المحلية، والنقل والمواصلات ومحال التجزئة، ومن ثم فإن خفض وتيرة الانفاق الشخصي سيؤثر بشكل غير مباشر في توليد موجات ركود في الاسواق المحلية مما سيؤثر لاحقا في دخول الفئات الهشة الفقيرة.ووفقا لهذا التحليل كان من المفروض على المخطط المالي وخصوصا عندما قام برسم الخطة المالية للعام المقبل 2021 والتي ترجمتها الموازنة العامة أن يأخذ بنظر الاعتبار تلك التأثيرات وانعكاس الخطة المالية في تلك الفئات من المجتمع العراقي، ومن المتوقع ايضا اذا قام مجلس النواب بتمرير مقترح مشروع موازنة 2021 بشكلها الحالي سترتفع معدلات الفقر الى ما يربو عن 38 بالمئة في الربع الاول من عام 2021، ومايعضد توقعنا هذا هو ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا تحت مسمّى Covid-20  التي سجلت الكثير من الدول حالات مؤكدة للاصابة بها، ناهيك عن المؤثر السياسي سواء على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي والذي يشكل محركا ومؤثرا رئيسا في حركة النشاط الاقتصادي في العراق .... وأخيرا وليس آخرا الايام الاخيرة من سنة 2020 ربما ستكشف لنا عن حقائق جديدة من الممكن أن تغير مسار التوقعات.