الاعتذار .. لكل مواطن!  

الرياضة 2021/01/03
...

علي رياح  

عـمو بابا .. (مضمون) لحديث لا ينتهي .. ولن ينتهي ، فهو يصادفني أو يترصّد ذاكرتي وأفكاري في كل موعد!  
الرجل الذي كان معتدا بمكانته كمدرب وقبلها قيمته كإنسان ، كان لا يتورع عن إبداء شعور الاعتذار والأسف حين يخسر فريقه .. لم يكن في كثير من المواقف يتنازل عن حقه في مواجهة أكبر فرد على قمة الهرم الرياضي أو الحكومي ، ولكنه بالمقابل كان يعتذر للعراقيين فردا فردا ، ويتحمل وحده مسؤولية الخسارة من دون أن تأخذه العزة بنفسه ، أو بإنجازاته!  
عثرت في أرشيفي الشخصي على حوار ممتع ومعمق أجراه الدكتور علي الهاشمي يوم كان نائبا لرئيس تحرير جريدة (الرياضي) اليومية ، مع شيخ المدربين بعد خسارة مباراة في عام 1983 .. أظنها كانت خسارة في بغداد بهدف وحيد أمام المنتخب المصري الشقيق الذي كان في علياء شأنه يوم كان يضم ثابت البطل ، إبراهيم يوسف ، حمادة صدقي ، ماهر همام ، مختار مختار ، علاء ميهوب ، مجدي عبد الغني ، محمود الخطيب ، طاهر أبو زيد ، ونجوما كبارا آخرين .. المباراة كانت ودية في إطار أسبوع اللقاء الرياضي العراقي المصري!  
المدرب الكبير الذي لا يناظره مدرب عراقي آخر في قوة شخصيته وإنجازاته ، يعتذر في هذا اللقاء من دون مكابرة للشعب العراقي عن هذه الخسارة حتى لو جاءت مع غريم عربي وأفريقي عملاق .. ويقول إنه يعتذر لكل مواطن ولا يتهرّب من المسؤولية ويؤكد : (الخسارة اتحملها لوحدي)!  
من أين نأتي بمدرب له كل هذه الشجاعة النادرة .. لكنها ليست شجاعة وحدها أبدا .. هنالك القدرة الفذة على الاستماع للنقد وللنصح من أجل تقويم الأوضاع المائلة أو الأخطاء الطارئة!  
فبعد مدة وجيزة جدا ، وفي إطار رد الزيارة إلى الأشقاء ضمن الأسبوع نفسه ، تعادل منتخب عمو بابا والعراق مع الأشقاء المصريين في قلب قاهرة المعز من دون أهداف .. ثم اتجه المنتخبان بعد يومين إلى مدينة المحلة الكبرى ليحقق منتخبنا فوزا تاريخيا بهدفين مقابل هدف واحد .. والهدفان جاءا بإمضاء حسين سعيد وعدنان حمد!  
ألم أقل لكم إنني أكثر من الحديث عن عمو بابا ، لأن الرجل يترصّدني على الدوام ، حين اتحدث عن قوة الشخصية ، وعن القدرة على الاستماع ، وعن الاعتراف بالخطأ من أجل أن يعينه الجميع على تفادي العثرات وبلوغ الانجاز!  
رسالة يخلفها عمو بابا لجيل اليوم من المدربين .. بعضهم حين يخفق فريقه لا يتفرغ لإصلاح مكامن الخطأ ، بل يمد لسانه لينتقد أو يشتم الغرماء والحكام ومن يجده في طريقه . إنها فقط المسافة بين شيخ المدربين وسواه .. ويا لها من مسافة شاسعة!