الجيش العراقي بين تأسيسين

آراء 2021/01/05
...

   عبد الحليم الرهيمي
تحل هذا اليوم الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي، الذي يعد الركيزة الأساسية لتأسيس وقيام الدولة الوطنية العراقية الحديثة، التي استكملت بناء مؤسساتها الأخرى تالياً، إذ ضمن الجيش وجودها واستمرارها طيلة اكثر من ثمانية عقود، حتى اتخذ الحاكم المدني الاميركي بول بريمر قراراً بحل الجيش في ايار - مايو 2003، وقد بوشر بعد ذلك إعادة تأسيسه من جديد وبما يمكن وصفه بالتأسيس الثاني باعتبار 6 كانون الثاني 1921 - كان التأسيس الاول،
 وبينما رافق هذا التأسيس قيام وتأسيس الدولة العراقية الحديثة وتأسيس النظام الملكي والانظمة السياسية التي تلته، رافق اعادة التأسيس الثاني للجيش باعتباره تأسيس الدولة والنظام السياسي في نيسان –2003 . هذا الواقع التاريخي وتسلسل الاحداث يجعل من غير المنطقي وغير الواقعي وصف الجيش العراقي الذي تقرر حله في شهر ايار –2003 وتأسس في كانون الثاني 1921 بالجيش السابق والغاء تاريخ ومآثر هذا الجيش، الذي يبقى هو الجيش العراقي فحسب، مهما كانت المسارات التي اتخذها خلال مختلف الانظمة السياسية التي تعاقبت على حكم العراق وتباينت سياساتها تجاهه.
ورغم ان التأسيسين هما لمؤسسة واحدة لها ذات الوظيفة والمهمات والدور في كلا التأسيسين لكن، مع ذلك ثمة تشابه واختلافات، إذ يتمثل التشابه في الاهداف والمهمات واسباب التأسيس، وكذلك في ترافق كل منهما مع قيام نظامين سياسيين مختلفين، اضافة الى التشابه في ترافق تأسيسها مع المشكلات والمصاعب والتحديات ذاتها، التي واجهها كل منهما، مثل وجود سلاح العشائر المتعارضة مع الدولة او المتصادمة معها والحساسيات والاختلافات بين الكيانات الدينية والمذهبية والاثنية والعشائرية المختلفة او المتصارعة احياناً، وقد أضيف في التأسيس الثاني وجود سلاح الجماعات المسلحة وسلاح الجريمة المنظمة.
اما الاختلافات بين التأسيس فقد تمثل في بدء التاسيس الاول (من الصفر)، حيث لم يكن قبل ذلك اي جيش او مؤسسة عسكرية وطنية مستقلة، بما كان تعنيه ذلك من انعدام وجود بنية تحتية للتأسيس يمكن الاستناد اليها، وكذلك انعدام اي خبرة او تجربة يمكن الاستفادة منها (باستثناء وجود ضباط افراد ذيي خبرة، خدموا بالجيش العثماني مثل جعفر العسكري الذي اصبح وزيراً للدفاع وكلف بتأسيس الجيش ابتداء) .
اما الاختلاف الثاني بينهما، فيتمثل باختلاف العقيدة العسكرية لكل منهما ونوعية ومصادر السلاح والجهات التي تدرب على استعماله. 
وفي اعادة التأسيس الثاني بعد العام 2003 فقد تمثل الاختلاف بأنه لم يبدأ (من الصفر) انما انطلاق من الاستناد الى البنية التحتية للمؤسسات والمعسكرات واصناف من السلاح، فضلاً عن الاستفادة من الخبرات والكفاءات العسكرية المدربة، التي لم يطلها التغيير والاقصاء والاستغناء عنها، وقد شكل كل ذلك عوامل مساعدة مهمة لاعادة بناء الجيش في التأسيس الثاني .
والامر المهم الذي تميز به التأسيس الثاني هو حصول غزو عصابات داعش واحتلالها لأراضٍ عراقية في حزيران –2014 والتي تم تحريرها بعد ذلك خلال معارك بطولية، خاضها الجيش مع سائر صنوف القوات المسلحة الاخرى خلال السنوات (2014-2017) في حين لم يحصل مثل هذا الاحتلال بعد التأسيس الاول سوى عن سيطرة بعض الدول المجاورة على مساحات من الاراضي العراقية الحدودية والتي لم يتنازل العراق عن عائديتها له.
وبالطبع، فإن صدمة الاحتلال الداعشي والهزيمة المحدودة التي الحقها ببعض قوات الجيش، قد فرضت ضرورة الاستفادة من دروسها والسعي للتخلص تماماً من آثارها واوجاعها . 
وفي مقدمة هذه المساعي اعادة الروح وتفعيل (تقرير الموصل)، الذي قدمته اللجنة البرلمانية ورفع الى البرلمان وتم اخفاؤه في الادراج، لأنه حدد تماماً مسؤولية القيادات العسكرية والسياسية عن ذلك الخرق المروع لأرض العراق وسيادته.
لقد مثل الجيش العراقي الواحد لا الجيش السابق واللاحق، ما بعد التأسيسين معجزة للعراقيين ومحط انظارهم وتقديرهم، وفي هذه الظروف يتعزز اكثر فأكثر مكانه ودوره وسمعته وهيبته وتتوجه اليه انظار العراقيين لحماية حدود العراقي، والتي تحقق امنهم وسلامتهم والاستقرار لهم وانهاء الفوضى وكل اشكال الرعب والخوف وانعدام الامن، التي تطوق حياتهم وتفقدهم الامل بمستقبل افضل لهم ولأبنائهم .