أ.د.نجاح هادي كبة: بغداد
عبد الرحمن الكواكبي (1854 - 1902 ) من المصلحين العرب والمسلمين المشهورين، لاسيما في كتابة طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد الذي تناول فيه العرامل التي ولدت الاستعباد، يقول محمد عمارة (تحتم علينا ان تقرر ان صاحبنا هذا كان اقرب اصلاحي الى معسكر الثوار وان منهجه في التفكير كان منهج الاصلاحي الثوري) « ان جاز ذلك التعبير ) «مسلمون ثوار، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1973، ص:215 . وقد حاول الكواكبي ( التجديد في فهم الاسلام واعادة قراءة نصوصه بالاضافة الى الاستفادة من الافكار المتقدمة والنظم المتطورة في الحضارة الغربية ) « فلسفة الدين في فكر اركون، د.جاسم علك شهاب دار الشؤون، بغداد 2019 م ص:23}.
وقد حفرت أفكاره بعيدا في معالجة الواقع العربي والاسلامي المتخلف، لاسيما في مجال التربية التي تؤسس لقيادة الجيل الصاعد نحو مستقبل افضل على وفق اسس التربية الاجتماعية والتفسية والاقتصادية والسياسية والعلمية، فمن أطروحاته في التربية ما توصلت اليه التربية المعاصرة في الغرب تأكيده اهمية المربي والاهتمام بالتربية الجسمية ودور الابوين والأسرة في التربية وربط التربية بالمجتمع، يقول: (ولا بد ان تصحب التربية من بعد البلوغ تربية الظروف المحيطة، وتربية الهيئة الاجتماعية، وتربية القانون او السير السياسي وتربية الانسان نفسه) « طبائع الاستبداد، دار المدى للثقافة والنشر،2004م،ص:87» ثم تاكيده اهمية الاساس السياسي للتربية ( فالحكومات المنتظمة هي تتولى ملاحظة تسهيل تربية الامة وذلك بان تسن قوانين النكاح ثم تعتني بوجود القابلات والملقحين والاطباء ثم تفتح بيوت الايتام اللقطاء، ثم تعد المكاتب والمدارس للتعليم من الابتدائي الجبري الى اعلى المراتب، ثم تسهل الاجتماعات وتمهد المسارح وتحمي المنتديات وتجمع المكتبات والاثار وتقيم النصب المذكرات، وتضع القوانين المحافظة على الاداب والحقوق وتسهر على حفظ العادات القومية ...) « طبائع الاستبداد، المصدر نفسه ص :87}.
وبناء على ذلك فان الكواكبي كان واعيا لأن تكون التربية لها اسس اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ونفسية فالتربية لديه (تعويد اليد على الاتقان، وتكبير النفس عن السفاسف، وتكبير الوجدان عن نصرة الباطل ورعاية الترتيب في الشؤون، ورعاية التوفير في الوقت والمال) « طابع الاستبداد، المصدر السابق، ص:89» وهو يرى كالتربويين المعاصرين اثر البيئة في التربية قبل الولادة ومن الطفولة الى الكبر التي اكدها عالم النفس النمساوي فرويد، يقول: ( واذا افتكرنا كيف ينشأ الاسير في البيت الفقير وكيف يتربى، نجد انه يلقح به وفي الغالب ابواه متناكدان متشاكسان ثم اذا تحرك جئينا حرك شراسة امه فتشتمه او زاد الام حياتها فضربته ... ومتى ولدته ضغطت عليه بالقماط اقتصادا وجهلا ....) « طبائع الاستبداد، المصدر السابق، ص:91 « ومن طروحاته تاكيده الجانب العلمي في التربية في مجالات العمل واعطاؤه الاولوية على الجانب النظري، فبعد ان كان الغربيون يعولون على العقل في جل مشكلاتهم اصبحوا اليوم يتجهون للتجريب في مختبراتهم ومعاملهم لان الهدف من التربية النظرية هو الوصول الى التطبيق العملي وهذا ما اكدته الفلسفة البرغماتية لدى جون ديوي يقول :( ان من الغرارة توهمنا ان شؤون الحياة سهلة بسيطة، فنظن ان العلم بالشيء اجمالا، ونظريا، من دون تمرن عليه يكفي للعمل « ام القرى نقلا عن «مسلمون ثوار لمحمد عمارة « المصدر السابق :ص 217} ويرى الكواكبي ان التخصص مطلوب لكن الانسان عليه ان يلم بما له علاقة بغيرة.
يقول: (ان العاقل من يتخصص بعمل واحد ثم يجاوب نفسه عن كل شيء غيره لا ادري ولا اقدر) « ام القرى،ص123، نقلا عن مسلمون ثوار، المصدر السابق،ص:217 « ورأيه هذا قريب الى من عرف الثقافة على انها ( ان تعرف شيئا عن شيء وان تعرف كل شيء عن شيء ) وذلك لان العلوم والاداب والفنون مترابطة ولا بد ان يتأثر احدهما بالاخر، كما دعا الكواكبي الى التربية المبنية على العدالة والحرية واعطاء الفرد الحرية في السؤال والاستفهام والابتعاد عن التلقين في توصيل المعلومات للمتلقين وهذا ما اكدته طرائق التدريس المعاصرة.