«الآخر هو الجحيم»

آراء 2021/01/06
...

 رفيف الشيخلي
 
 
«الجحيم هو الآخرون” عبارة معروفة للفيلسوف “سارتر”، يرددها الكل، يعبرون من خلالها عن غضبهم وسخطهم من الغير، عن انزعاجهم من تلك الحروب الصغيرة اليومية، التي قد نعيشها بسبب اختلافاتنا الكثيرة، وكأن الآخرين هم الشماعة التي نعلق عليها كل همومنا.لكن، هناك أمر بسيط لم ننتبه له ونحن نردد هذه العبارة كلما تملكنا الغيظ، وهو أننا نحن بدورنا “آخر” بالنسبة للغير، يعني أننا جحيم بالنسبة للآخر،نحن أيضا نسبب لهم الكثير من المشكلات عن قصد أو من دون نية.
يبدو أن المأساة، أن كل منا يعد نفسه مالك الحقيقة، مع أن لا حقيقة أكيدة هناك، كل منا يرى بوضوح مشكلات الآخر، ونواقصه، وعيوبه، لكننا نرفض أن نرى ما يعنينا نحن، أو في أفضل الحالات، نفسر ونحلل ما جعلنا على هذه الحالة، كأن الآخر لم يعش هو أيضا ظروفا وصراعات سببت له بعض النواقص، أو ما نراه نحن مختلفا عن أفكارنا، كل منا ينظر إلى نفسه وكأنه خال من العيوب، التي يتذمر من وجودها لدى الغير، كأنه أعلى، أفضل، أحسن، وأجمل، أهذا غرور؟ حسنا، فالغرور في علم النفس يؤكد إحساسا فظيعا بالنقص.
كثيرون يطلبون من الآخر بأن يتفهم ظروفهم، مشكلاتهم، صراعاتهم لكن، كم من هؤلاء المطالبين يكلفون أنفسهم القدرة نفسها على ذلك؟ هناك حديث شريف معروف أيضا، يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” هل ترانا فقدنا القدرة على الإحساس بالآخر؟ أم أن إيماننا غير قويم؟ فلماذا لا نرى الفرح لنجاح أحدهم عوض التقليل منه، ولا الحزن لمصاب أصابه، أما المساعدة فهي لنا نحن فقط، البقية لا تستحق!.
ويعلما الإنجيل “أحبوا أعداءكم”، من يختلفون عنا، حتى لو كان إلى درجة العداوة، هم بشر مثلنا، لهم ظروفهم وصراعاتهم، ولنا نواقص وعيوب، وربما، كنا نحن السبب في تلك العداوة، تماما كما نتهمهم بكونهم سبب مشكلاتنا.
كأن كل كوارث هذه الحياة، الطبيعية منها كالزلازل والأعاصير، والإنسانية من حروب وفقر ومجاعات وتهجير وتفجير، غير كاف فنزيده نحن بمشكلاتنا اجتماعية كثيرة مع من حولنا، فنصير كأعواد ثقاب تشتعل لمجرد اختلاف رأي هذا، أو سوء تفهم ذاك، وأحيانا كثيرة لأمور لا تعنينا، وتعد اختيارات شخصية تهم الآخر فقط، مثل طريقته في اللبس، أو ما يحبه من هوايات، وما يراه مقنعا وممتعا بالنسبة له.
حتى الذين نختلف معهم ممن يسببون لنا الكثير من المتاعب عن سبق إصرار، هل كانوا سيكونون بتلك النقمة، أو الغضب، لو أننا عاملناهم بمحبة وتفهم، كما نحب أن يعاملونا؟ هل كانوا سيكونون ضدنا، لو أننا تفهمنا أنهم أيضا أحاسيس وصراعات وظروف ومشكلات لا يد لهم فيها في الغالب، لو أننا فقط تذكرنا ونحن نتعامل معهم على أنهم مثلنا تماما، يحتاجون للمحبة والتفهم والاحترام والإحساس بالأمان النفسي والاجتماعي.
أغلب مشكلاتنا الاجتماعية نتحمل مسؤوليتها نحن أيضا، فنحن لسنا منزهين، والآخر هو الجحيم.