يوم تعرضت لرشاش الفلفل بقي الشعور المؤلم بالحرقة على جلدي طيلة 22 ساعة. لسعتني تلك الذكرى بألم جديد يوم الاربعاء وأنا أجلس مراقبة بجزع، من موقعي كعضو تولى منصبه حديثاً في الكونغرس، عاجزة عن تصديق عيني وأنا أرى جموع العصيان تجتاح مبنى الكابيتول. في شهر تموز خرجنا للتظاهر احتجاجاً امام دائرة الشرطة في مدينة فلوريسانت بولاية ميزوري
، حيث كان أحد ضباط الشرطة قد دهس رجلاً أسود بسيارته. طيلة أسابيع كانت الشرطة تنهال على المحتجين ضرباً، اطلقت علينا الغازات المسيلة للدموع حدّ الاختناق لمجرّد أننا كتبنا بالطلاء على احد الشوارع: «حياة السود مهمّة». اعتقلونا لأننا رفعنا قبضاتنا عالياً وضربوا المعتقلين.
لم تكن تلك ليلة مختلفة عن سواها، ولكن رجال الشرطة خرجوا على عجل وهم يرتدون عدة مكافحة الشغب وراحوا يطرقون على تروسهم بهراواتهم وبنادقهم معبأة بالرصاص المطاطي وانطلقت الأوامر بينهم بصوت مرتفع، عندئذ طاردونا حتى منتصف الشارع وأجبرونا على التراجع لائذين بالظلام كالعميان، دفعونا الى الوراء بقوة جعلت بعض الناس يسقطون أرضاً من حولي ليجدوا رجال الشرطة يحدقون بهم ثم ينهالون عليهم بهراواتهم. اقتربت من امرأة محاولة جرها بعيداً ولكنهم بدؤوا يرشوننا برشاش الفلفل، لم يكن ذلك مثل الفلفل الذي تعرفونه، فقد استعنت يومها بكل طريقة أعرفها لإيقاف الألم، الحليب، الماء، ومحاليل تنظيف الصحون، لكن لسع الحرق لم يتوقف واستمر لمدة 22 ساعة.
في يوم الاربعاء الماضي كنت أجلس في القاعة مصغية الى زملائي وهم يتحاورون بشأن المصادقة على اصوات المجمع الانتخابي، لكن شيئاً مبهماً جعلني أغادر مكاني، تركت القاعة وتوجهت بسرعة لإلقاء نظرة على ما يدور في الخارج، كانت الأبواب موصدة ولكني استطعت أن أرى عبر النوافذ من مكاني في الطابق الثاني من مبنى الكابيتول أعلام ترامب وأعلام الاتحاد الكونفدرالي، وهي تقترب رويداً رويداً. تجمدت وأنا لا أكاد أصدق ما أراه، وفي اللحظة التالية وجدت أفراداً من الموظفين يأخذونني عائدين بي بسرعة الى غرفة مكتبي.
بمجرد ان دخلنا مكتبي وحصّنا الباب عاد اليّ شعور بالحرقة، ولكنه من نوع مختلف، كانت هذه حرقة من داخلي، رأينا على الشاشة كيف سار العنصريون من دعاة «تفوق البيض» متبخترين من امام شرطة الكابيتول، من دون ان يمسهم أو يخدش مشاعرهم أحد، بعد دقائق لا أكثر من إقفالنا الباب على أنفسنا كانت الجموع تدخل الى قاعة الصور، حطم المشاغبون النوافذ وجلسوا على مكتب رئيسة مجلس النواب واحتلوا طابق مجلس الشيوخ. كانت المقارنة واضحة وجواب السؤال لا سبيل للإشاحة عنه: هل كانت الأمور ستسير على هذا النحو لو كان المحتجون قد جاؤوا الى هنا للدفاع عن حياة السود بدلاً من تفوق البيض؟ لقد تعرضنا للغازات المسيلة لأسباب أوهى من هذه، تعرضنا للضرب وأطلقت علينا النار لأقل من هذا بكثير، وهاجمتنا قوات الأمن لأسباب أدنى وأدنى.
الأمر واضح عندي لا لبس فيه: وهو أن قيادات فرض القانون العليا في «كابيتول هل» لم يكن همها التصدي للعصيان، لقد انتشرت مقاطع فيديو يظهر فيها رجال من الشرطة وهم يلتقطون صور السيلفي مع المحتجين وينزلون السلالم معهم، بل ويفتحون لهم الابواب، الصف الأول من رجال الشرطة لم يكونوا يرتدون عدة مكافحة الشغب، ولا وضعوا أقنعة الغازات أو حملوا بنادق معبأة بالرصاص المطاطي، الأهم من ذلك أنهم لم يحضروا معهم كلاباً بوليسية.
يوم خرجنا نطالب بالعدالة لـ»مايك براون» في فيرغاسون، في العام 2014، وجدنا أنفسنا نواجه الكلاب، ثم عدنا فواجهناها في احتجاجات السود هذا العام، من الساحل الشرقي الى الساحل الغربي، الرئيس نفسه كتب تغريدة في شهر أيار قال فيها أن «أشرس الكلاب» تنتظر المحتجين دفاعاً عن حياة السود امام البيت
الأبيض.
لكننا لم نر كلاباً تنتظر العنصريين البيض الذين تجمعوا خارج مبنى الكابيتول، ليست صدفة أن تغيب وسيلة الردع العنصري هذه يوم الاربعاء عندما حمل المحتجون أعلام الكونفدرالية، أعلام ملاك العبيد، مع نسختها الجديدة الممثلة بعلم ترامب الى داخل قاعة الصور.
قال كثيرون إن ما حدث يوم الاربعاء لا يمثل أميركا .. ولكنهم مخطئون، فهذه هي أميركا التي عرفها السود، القول بأن هذا لا يمثل أميركا معناه إنكار حقيقة أن الاعضاء الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ هم الذين حرضوا على هذا الانقلاب من خلال مساعيهم الخيانية، لتغيير نتائج الانتخابات الرئاسية، معناه إنكار حقيقة أن أحد السيناتورات الجمهوريين، وهو «جوش هاولي»، قد خرج عن نهجه المألوف من اجل تحية العنصريين البيض قبل اقدامهم على محاولتهم الانقلابية، معناه إنكار ان هذا السيناتور نفسه قد استولى على العلامة التي ترمز الى «قوة السود»، وهي القبضة المضمومة، ثم حولها الى شعار لتحية العنصريين البيض، تلك القبضة التي لم يرفعها قط في مسيرة تأييد لـ «حياة السود» لأنه لم يشارك يوماً في مسيرة من تلك المسيرات. معناه إنكار أن ما يطلق عليه زملائي الجمهوريون وصف «تزوير» هو في الواقع اشارة تقصد بها الأصوات الشرعية الصحيحة للناخبين السود والملونين ومن السكان الأصليين في هذا البلد الذي استطاع، وهو في خضم معركته مع الجائحة التي عاثت بنا قتلاً من دون تمييز، أن يفشل قمع الناخبين بمختلف صوره ليحقق نصراً انتخابياً لـ»جو بايدن» و«كاميلا هاريس».
هذه هي أميركا، وسوف تبقى كذلك الى ان يتم تفكيك حركة التفوق العنصري، بداية العدالة هي أن نبدأ بإزاحة أي نائب أسهم في التحريض على هذا العصيان، لأننا لا يمكن ان نشجب عنصرية البيض ثم نسمح لدعاتها ان يحتفظوا بمناصبهم في حكومتنا.
*كوري بوش نائبة ديمقراطية تمثل مقاطعة ميزوري الأولى في مجلس النواب.
عن صحيفة «واشنطن بوست»