مايكل صافي
ترجمة: ليندا أدور
عند المدخل، هناك نسخة عن لوحة "القديس يوحنا المعمدان"، للرسام الإيطالي جويدو ريني، التي تعود للقرن السابع عشر، والى جوارها، ثريا ملقاة على الأرض وقد تناثرت الى أشلاء حيث سقطت، تجد مرايا مصدعة ولوحات ممزقة ومنحوتات مكشوطة وسقوف بعض الغرف نصف منهارة، كل ذلك وأكثر ضمه متحف، تعرض هو نفسه للضرر جراء انفجار المرفأ في الرابع من شهر آب الماضي.
بدأت بيروت تلملم جراحها وتعيد بناء نفسها ولو ببطء بعد الدمار الذي طال الكثير من أحيائها المطلة على الوجهة البحرية الشرقية، ليمزق معه قاعاتها الفنية وصالات فنادقها التي تعرّض بعضا من أشهر الأعمال الفنانين اللبنانيين فيها الى الدمار. يسعى معرض "الفن الجريح"، كما أطلق عليه، الذي أقيم في "فيلا عودة"، متحف الفسيفساء الذي لحقت به أضرار جسيمة، ليس الى إعادة جمع هذه الأعمال معا فحسب، بل إعادة سيرورتها بالرغم من الشقوق والكشوط التي طالت القماش
والحجر.
في غرف صغيرة تُعرض الأعمال وقد "عولجت" بالتنسيق مع الموسيقى ونصوص ومقاطع شعرية والإضاءة المثبتة خلف اللوحات، لتنبه الى حجم الضرر الذي وقع على كل عمل. يقول جان لوي مانغي، القيّم على المعرض الذي يستمر حتى منتصف الشهر الحالي: "كانت الفكرة هي إعادة بناء القطع الفنية ثانية كما هي، بمصاحبة الموسيقى والشعر والأدب اللبنانيين، الى جانب الإضاءة".
كان بهو فندق "لو غراي"، ذو الخمسة نجوم وسط بيروت، يضم منحوتة "الحب المتشابك" للفنانة التشكيلية نايلة رومانوس إيليا، ويبعد مئات الأمتار فقط عن المرفأ، تقول إيليا التي دخلت في "حالة تشبه الغيبوبة" بعد أن دمر الانفجار المبنى وألحق أضرارا بالمنحوتة: "لم أعد قادرة على العمل، أو مهتمة به، كنت عاجزة عن خلق أي شيء، ولا أستطيع التفكير بأي شيء، كان من الصعب للغاية مواجهة ما حصل"، مضيفة "كانت فكرة عرض القطع الفنية التي عانت ما عانيته أنا أيضا، ربما هي "الوصفة السحرية" بالنسبة لي، التي أعادت الدم الى عروقي مرة
أخرى".
يشتمل المعرض على أعمال ولدت بعد الانفجار، وبعضها الآخر خضع "للعناية الفائقة"، من بينها لوحة للرسام البريطاني توم يونغ الذي أعاد، تقريبا، "رتق" القطع الممزقة لواحدة من أعماله الفنية. أما لوحة "المعمدان" المهشمة لريني، فقد تمت تغطية مركزها من خلال اسقاطات لرسومات تاريخية أخرى "للمعمدان"، حتى يتلاشى الضوء فيها ويموت على نحو مفاجئ، تاركا قماش اللوحة بلون بني محاط بشرائط من اللون وقدم وحيدة يمكن تمييزها
بسهولة.
يقول مانغي: "إن الفكرة الأولية هي: لم يتوجب علينا ترميمها؟ لم لا يمكننا العيش مع جروحنا؟ لم علينا نسيانها؟ والى أي مدى يمكننا التعايش مع جرحنا في حياتنا اليومية؟"، مشيرا الى أنه في مدينة تواجه أزمات اقتصادية وصحية، متزامنة مع ما خلفه الانفجار من آثار، هذا الأمر يبدو أكثر من أمور تتعلق بالجمال، وأعمال المعرض هي الجواب عن هذه
التساؤلات.
*صحيفة الغارديان البريطانية