الولايات المنقسمة الأميركيَّة

الرياضة 2021/01/13
...

محمد صالح صدقيان 
 
ليس مهماً ما قاله الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب في ما حدث يوم الأربعاء في “غزوة” الكونغرس ؛ كما انه ليس بالمهم ما قاله الرئيس المنتخب جو بايدن، المهم أن العالم بأسره شاهد بالمباشر ما حدث لصرح الديمقراطية الليبرالية الأميركية وهو يسقط بأيدي مليشيات معروفة بالاسم والصورة والاعلام الملونة لإحداث “ثورة” كما قالت تلك السيدة التي حاولت مع أصدقائها اقتحام الكابيتول. 
قناة “سي أن أن” نقلت رأى هذه السيدة التي كانت تتكلم عن نفسها؛ لكنها كانت تتكلم أيضاً عن قناعات عشرات الألوف الواقعة تحت تأثيرات التيارات الشعبوية المحافظة التي دافع عنها الرئيس ترامب ووضع لها إطارها السياسي والاجتماعي ودفعها لتكون القوة التي أراد لها أن تقف معه في انقلابه على “المزورين” الذين سرقوا أصوات الناخبين الأميركيين. 
أسئلة كثيرة طرحت منذ يوم “الاربعاء الثائر” لدراسة العوامل التي دفعت بهذه الأحداث للسطح؛ ولإيجاد أجوبة مقنعة لما حدث. هل انه حدث عابر وسيزول؟ أم ان ما حدث هو جزء من قوة بركانية تتحرك تحت الأرض؛ وما شاهدناه ارتجاجات أرضية تنبئ عن هزة أرضية بدرجة عالية على مقياس ريختر. 
من السابق لأوانه الاجابة عن كل هذه الاسئلة بشيء من الوضوح لارتباط هذه الاسئلة بالعديد من الاستحقاقات الأميركية خلال الشهور الستة القادمة؛ لكن المراهنة على ترامب والترامبية بعد كل الذي حصل في داخل الولايات المتحدة فيها نوع من السذاجة والبساطة السياسية. ما سمعناه من زعيم الاغلبية الجمهورية في الكونغرس اثناء الانقلاب يعطي مؤشراً واضحاً الى أن الجمهوريين سوف يحاولون مسح “الغزوة”  من الذاكرة الاميركية إن سمح لهم الديمقراطيون الذين يسيطرون على البيت الابيض ومجلسي النواب والشيوخ. بل أكثر من ذلك سيعمل الجمهوريون على طي مرحلة دونالد ترامب وابعادها عن ذاكرة الاميركيين وبقية شعوب العالم لأنها شكلت نقطة سوداء في تاريخهم السياسي. 
تذكروني.. سيلجأ الجمهوريون الى النأي بالنفس عن كل السياسات التي أقدم عليها الرئيس ترامب وفريقه داخل البيت الابيض، أما الرئيس ترامب فإنه سيعيش حالة الاكتئاب النفسي وسينزوي بعيداً عن عدسات الكاميرا وشاشات التلفزيون، هذه ليست نبوءة للرجل وإنما هي قراءة للحالة الشعبوية المتعاظمة عندما تدخل في جسم الانسان وسرعان ما تنهزم؛ وهي النهاية التراجيدية التي انتهى اليها الشعبويون الذين ظهروا في اميركا واوروبا واميركا اللاتينية وبعض الدول في آسيا وافريقيا منذ بداية القرن الماضي. 
“غزوة الكونغرس” دفعت بالولايات المتحدة الى الأمام وأيقظت أحلام الانقسام والانفصال عند القوميين في الداخل الاميركي، واذا كانت ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال تفكر بالانفصال عن الولايات المتحدة بعد عشرين عاما فإنها اليوم صارت أقرب لسبب بسيط جدا وهو حالة الانقسام الذي أولدته الترامبية في داخل المجتمع الاميركي. 
74 مليون ناخب صوتوا لصالح دونالد ترامب، هؤلاء يصطفون لصالح الاتهامات التي ساقها ضد منافسه وضد مواقف الولايات التي لم تقف مع مزاعم الرئيس ترامب. هذا الانقسام المجتمعي ليس بسيطا في القاموس السياسي؛ وأن تداعياته سوف تظهر بوضوح خلال فترة ليست بالبعيدة. 
أمام الرئيس المنتخب جو بايدن مهمة صعبة في «لملمة» الابتعاد الخطير عن «دولة المؤسسات» وفي ظل مجتمع منقسم طبقياً وعرقياً وثقافياً وهوياتياً، انقسام عمودي وأفقي يتمظهر بشكل غير مسبوق في تاريخ أميركا الحديث، ومن الصعب على أميركا طي صفحة لتفتح اخرى بعد «الغزوة»، وسينتظر العالم ليرى إذا كانت الولايات الأميركية ستبقى متحدة. أما العالم الخارجي فإنه يتحين الفرص للانفلات من الهيمنة التي فرضتها الولايات المتحدة والذي يتجه الى تعدد القطبية في عالم متغير ومتسارع.