محمد شريف أبو ميسم
حين أعلنت البرازيل رسميا أنها أصبحت سادس اكبر اقتصاد في العام 2011، دهش المراقبون من التحول الذي صنعه الرئيس البرازيلي «لويس لولا دا سيلفا» الشهير بـ «لولا» خلال ثماني سنوات من توليه الحكم بين 2003- 2010 والذي تولته من بعده «ديلما روسيف» بذات النهج، فقد تحولت البرازيل من بلد على حافة الافلاس، الى أقوى اقتصاد صاعد، وأصبح صندوق النقد الدولي مدين لها بنحو 14 مليار دولار. بعد أن كانت مدينة له بنحو 250 مليار دولار، ويرفض منحها المزيد من القروض جراء حالة عدم الثقة باقتصادها. و»لولا» و»روسيف» كلاهما يساريان، فكيف لمثليهما أن يزاوجا بين ليبرالية السوق والفكر الاشتراكي ليصنعا دولة - أخذت مكانا بين العشرين الكبار- من خامة الفقر وفخ المديونية؟ وما هو سر اعلان افلاس البرازيل الخميس الماضي على لسان الرئيس الحالي «جايير بولسونارو» الذي عرف بوصفه يمينيا شعبويا، عازيا السبب إلى جائحة كورونا؟.والاجابة هنا قد لا يسعها مقال صغير، ولكننا سنقف عند المفارقة الكبيرة بين من يدعو الى الاشتراكية ويجبر على العمل بأدوات ليبرالية السوق في ظل خصخصة وظائف الدولة، وينجح في جذب الاستثمارات وتشغيل سوق العمل ومعالجة بعض مظاهر الفقر، وبين من يؤمن بالليبرالية بوصفها سبيلا الى الازدهار والتنمية، بينما يعلن بعد سنتين من توليه ادارة هذا الاقتصاد الليبرالي عن افلاسه وهو سادس أكبر اقتصاد في العالم.وهذه المفارقة تكشف عن نموذجين مختلفين في ادارة الدولة، الأول عمل بأدوات الثاني وهو غير مؤمن بها، في ظروف سيئة وتحديات كبيرة، ولكنه أدهش الآخرين، والثاني وهو المؤمن بالأدوات، استلم نجاح الأول وحوله الى فشل، وقد يقول قائل إن منهج «لولا» كان قائما على الليبرالية الاشتراكية، وهنا لا بدّ من التذكير ان تجربة «لولا» مع اقتصاد منهار ومكبل بشروط تحرير التداولات والتعاملات وخصخصة القطاع العام، لم تعط للرجل فرصة لاعتماد الليبرالية الاشتراكية في بنية النظام الاقتصادي. فكان مكرها على الميل نحو ليبرالية السوق واعطاء سلطة رأس المال مساحة أكبر في ادارة شؤون الحياة، مستهدفا النهوض بالاقتصاد ومعالجة الفقر والمديونية بما متاح، فكانت البنية الأساسية لنمو معدلات الناتج الاجمالي التي جعلت من البرازيل بين العشرين الكبار قائمة على نشاط الشركات الخاصة، وحين جاءت الجائحة كانت مدعاة لاعادة هيكلة مسؤولية الشركات بسهولة بهدف منحها المزيد من الحرية، في ظل تولى الليبرالي بولسوناريو مسؤولية الحكم، لتكشف عن هشاشة العلاقة بين ليبرالية السوق والناتج القومي الاجمالي.