ماضٍ منطفئ ومستقبل ضبابي

الصفحة الاخيرة 2021/01/16
...

حسب الله يحيى 
في كل مرة اسمع فيها عن نيل شهادة ماجستير او اطروحة دكتوراه ؛ اتساءل عن عنوانها، وفي الغالب الاعم تخيب الظنون ويتوقف التفاؤل عن فتح نوافذه.
ذلك ان معظم هذه الرسائل والاطاريح، تتناول الماضي بوصفه المثال او الانموذج الافضل والاهم للدراسة التي تقدم انطباعاً أولياً يقوم على أن الماضي افضل من الحاضر ومن المستقبل كذلك، وكأنه لا مستقبل لنا الا عن طريق اتخاذنا الماضي قدوة حسنة وطريقة فضلى للعيش السعيد، في حين قرأت مؤخراً كتاباً جديداً يحمل عنوان (العبودية مقابل الامن) تأليف د. ندى فاضل الربيعي و د.عباس العزاوي، تشير فيه المؤلفة العراقية المقيمة في هولندا الى أن عملها في “تفعيل الملفات الالكترونية للمرضى “ قادها الى تعميق دراستها في فتح هذه الملفات التي تتعلق بحرية الافراد، فكان أن تبين لها مع زميلها في تأليف هذا الكتاب الذي يتجاوز كل الشهادات الجامعية الحديثة، أن الاجهزة الالكترونية اصبح بمقدورها الهيمنة على افكار وافعال جميع الكائنات البشرية عن طريق شريحة صغيرة بحجم بذرة الرز تسمى(RFID)  تزرع تحت جلد الانسان لتعرف كل شيء عن تحركاته و امواله وعلاقاته الاجتماعية، بمعنى الا يكون له سر يمكن أن يخزنه او يخفيه عن الاخرين, ذلك ان هذه الشريحة (حبة الرز) بامكانها مراقبة وتسجيل كل شيء عن طريق موجات الراديو، كما يمكنها السيطرة التامة على البشر في كل مكان، وفي حرب تشنها على خصوصية الانسان, كما تجاوز عمل هذه الشريحة ليصبح اداة مراقبة الاشخاص في حالة تجاوزهم القوانين ومن ثم السيطرة عليهم وقد يصل الامر الى «التخلص منهم بكبسة زر واحدة». 
وصار بامكان هذه الشريحة التي اصبحت واقعاً ملموساً في عدة بلدان أن تتجسس على اسرار الدول على حسب البرنامج الذي يعد لها، وهذا يعني ان رواية اورويل (1984) قد انطفأت وباتت بنوءاته في مراقبة الكاميرات الخفية قديمة، وجاءت الشريحة الجديدة بمثابة (عبودية) يراد في ظاهرها تحقيق (الامن) بينما هي تمارس الهيمنة الاستعمارية الجديدة وتتجه لوضع البشرية جميعاً تحت المراقبة، وايقاف اي سبيل من شأنه أن يعنى بخصوصية الفرد التي كانت تنادي بها الانظمة الرأسمالية،فاذا بها الان تلغي شخصية كل انسان!
اقول هذا وفي ذاكرتي مئات العنوانات الجامعية التي تجعل من الماضي مثلا اعلى، بينما تمكنت عقلية باحثة عراقية مجدة ومجتهدة من الكشف عن الحاضر والمستقبل البشري ويرافقها زميل مزهر في البحث عن آفاق المستقبل بكل اخفاقاته وسوداويته وضبابيته، ترى متى نتوجه للبحث عن الرؤى المستقبلية لحياتنا في الابحاث الجامعية، ومتى نأتي بجديد يخدم الانسان حاضراً ومستقبلاً؟.