مرآة ساخرة

آراء 2021/01/16
...

 رفيف الشيخلي
 
 
من المعروف أن السخرية هي فعل دفاعي ضد كل ما لا يستطيع الشخص أن يوجه له اللوم أو السؤال، ولذلك هي تنتشر في الدول التي تعرف الكثير من المشكلات. مصر مثلا، المعروف عن شعبها بأنهم أصحاب نكتة، لكن القصد هنا ليس النكت التي تكون عادة في نهاية غير متوقعة، أو قلب للمعنى والسياق، فأسباب الضحك كثيرة ومتعددة حسب “برجسون”
ولا القصد هو السخرية من الآخر، التي تكون شبيهة بالتنمر وبعض حالات العنصرية، مثل الكم الهائل من النكت عن أهل الناصرية، أو تضخيم للبخل لأهل الموصل، أو غير ذلك من الامور التي تعرفها كل الدول، فكل البلدان تعرف مثل هذا النوع من التركيز على اختلافات المناطق بشكل قد يضحك الكثيرين.
لكن، أن تسخر من نفسك؟ أن تقف أمام المرآة وتسخر من شكلك مثلا، من أنفك الكبير، أو قصر قامتك والوقوف أمام المرآة هنا، ليس بالضرورة أن يكون بالمعنى الحرفي. لكن، أن تواجه نفسك بالسخرية من الأمور الكثيرة التي لا نجد لها بالضرورة حلولا مقبولة، كظروف الحياة، وما تعانيه من قسوة أو تصرفات غريبة من الآخر، من عدم نجاحك في مشروع ما. 
كلنا نفعل ذلك بالمناسبة، من منا لم يسخر من حالة حب عاشها بوجد أيام مراهقته الأولى؟ أو من تلك النزاعات الطفولية مع أصدقائنا لأسباب تافهة جدا، قد لا تعدو أن تكون بسبب قطعة حلوى، من تصديقنا للكثير من الأشياء في قصص الأطفال من خيالاتنا. 
لكننا حين نفعل ذلك لا ننتبه إلى أمر مهم جدا، وهو ذلك الشعور بنوع من الراحة والغبطة ونحن نتذكر تلك الأمور، حين نتذكر عراكنا مع أخينا الصغير مثلا، ونتحدث عن ذلك بالكثير من السخرية عن الأسباب والحالة التي كنا فيها، وكيف كانت، فنحن نتبسم ! ألم يسبق لكم ملاحظة ذلك؟ حين تتذكر كيف كنت تخاف من “الطنطل” وتسخر من تصديقك لوجوده، تكون ابتسامة صادقة مرتسمة على الشفاه. 
فالسخرية، تساعد على تصغير الأمر، على تحويله من حالة نكون معها في صراع، إلى حالة تجعلنا نحس أننا تعالينا وتفوقنا عليها. تماما كفعل النكت في الدول التي تعيش ظروفا صعبة. 
ما المشكلة إن كان أنفي كبيرا؟ أو أني أخطأت في فكرة معينة؟ كلنا نخطئ في النهاية، لماذا قد يشعر أحدهم بكل هذا الحزن لسبب بعض الظروف؟ من الملاحظ ان الشخص الذي له القدرة على السخرية من نفسه، يصعب جدا جعله يحس بالدونية أو النقص أو الضآلة. لسبب بسيط جدا، أنه هو نفسه يعي تلك الأمور ويسخر منها.  إن كنتُ متصالحة مع حالة الفقر مثلا، فمن الصعب أن أشعر بالحزن لأن أحدهم نعتني بالفقيرة، أو المسكينة. 
ثم أننا حين نسخر من حالة حب المراهقة، او خوفنا من الأشباح، نحس تجاه الحالة بمحبة، بقبول، التصالح... والأهم، بنوع من التفوق.