د. عبد الواحد مشعل
تهتم الدراسات الانثروبولوجية بعادات الطعام، وأهميتها الاعتبارية لدى شعوب العالم المختلفة، بعدها احتلت مكانا مميزا في ثقافة المجتمعات التقليدية، لاسيما المجتمع العربي والريفي منه بالتحديد وما ارتبط بها من الولائم المبالغ فيها، حتى اعتبرت من قبل أهل المدن بأنها ضرب من التبذير، بينما يعدها أهل الريف ضربا من الكرم، وقد اهتم علماء الانثروبولوجيا بدراسة العلاقة بين الطعام والعلاقات والتقاليد والطقوس والرمزية والاعتبارات الدينية، ذات الصلة بموضوع الطعام، والتي تظهر بشكل خاص في المجتمعات المحلية ذات التجانس، سواء كانت قبلية تعيش في بيئتها المميزة لفترة طويلة من الزمن، أو في المجتمعات المحلية الشعبية في المدن التي تتميز بعادات طعام تميزها عن غيرها من المجتمعات الحضرية المميزة بأساليبها الحضرية أو المدنية، وفي هذا السياق ينبغي عدم إغفال التطور الذي طرأ على عادات الطعام من حيث النوعية وطرق تناوله، سواء في الريف أو في المدن في زمن التنميط العولمي والحداثاوي، ومع هذا لا يزال مجتمعنا العراقي، لاسيما المجتمعات المحلية الريفية تبالغ في ذلك كثيرا ومن لا يقدم ذلك يتعرض إلى سيل من الانتقادات، حتى يضطر صاحب المناسبة إلى تقديم كل ما عنده من طعام إلى المدعوين أو الحاضرين وبكميات كبيرة، ما يجعل الفائض منه يذهب إلى القمامة ما يعد ذلك هدرا وتبذيرا واضحا، وعلى الرغم من ذلك لا يزال الإنسان العراقي يصر على التمسك بها بعدّها رمزا للكرم والسخاء، حتى ذهب هذا التقليد إلى المناطق الحضرية وأصبح الإنسان الحضري يمارس هذه العادات لإثبات انتمائه للقبيلة أو العشيرة، أو من اجل أن يشار اليه بالبنان، ولاشك أن هذا التقليد جاء بعدما تراجعت الحضرية وطغت مظاهر التريف في المدن، لذا ينبغي إجراء دراسات علمية لكشف مدى ارتباط ذلك باصالة التقاليد العشائرية، أم أنها تمارس من أهل الحضر تقليدا أو تمثيلا لعادات الريف، التي بات كثير من أهل المدن يتظاهر بها، كما ينبغي على وسائل الإعلام والقائمين على المجتمع القيام بحملات توعية اجتماعية للحد من المبالغة في عادات الطعام والولائم المظهرية، والتثقيف على ضرورة تجنب الهدر والتبذير بالطعام في الوقت الذي ينبغي فيه الالتزام بتنظيم الانفاق، وبالشكل الذي يعكس المستوى الحضاري لإنسان القرن الواحد
والعشرين.