كيف تفاعل الأغنياء في القرون الوسطى مع الطاعون وتماثلاته اليوم؟

ثقافة 2021/01/16
...

كاثرين ماكينلي 
ترجمة: جمال جمعة
الفيروس التاجي يمكن أن يصيب أي شخص، لكن التقارير الحديثة أظهرت أن الحالة الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا، بالتوافق مع الأمان الوظيفي، والحصول على الرعاية الصحية وقابلية الحركة، مما يوسع الفجوة في معدلات العدوى والوفيات بين الأغنياء والفقراء. يعمل الأثرياء عن بُعد ويفرّون إلى المنتجعات أو المنازل الريفية الثانية، بينما فقراء المدن محشورون في شقق صغيرة ومجبرون على الاستمرار في الحضور للعمل. كمتخصصة في دراسة القرون الوسطى، فقد رأيت نسخة من هذه القصة من قبل.
أثر الموت الأسود في إيطاليا عام 1348، كتب الكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو مجموعة قصصية من 100 حكاية بعنوان «الديكاميرون». هذه القصص، رغم خياليتها، تمنحنا نافذة للاطلاع على حياة القرون الوسطى أثناء الموت الأسود، وكيف أن الشقوق ذاتها تصدعت بين الأغنياء والفقراء. يرى المؤرخون الثقافيون اليوم أن «الديكاميرون» مصدر لا يقدر بثمن للمعلومات عن الحياة اليومية في إيطاليا خلال القرن الرابع عشر.
وُلِد بوكاتشيو عام 1313 كابن غير شرعي لأحد المصرفيين الفلورنسيين. كنتاج للطبقة الوسطى فقد كتب في (الديكاميرون) قصصًا عن التجار والخدم. كان هذا غير معتاد في عصره، إذ كان أدب العصور الوسطى يميل إلى التركيز على حياة النبلاء.تبدأ (الديكاميرون) بوصف تصويري مثير للموت الأسود، والذي كان شديد الضراوة لدرجة أن الشخص الذي يصاب به يموت في غضون أربعة إلى سبعة أيام. بين عامي 1347 ــ 1351، قتل ما بين 40٪ و 50٪ من سكان أوروبا، وتوفي بعض أفراد أسرة بوكاتشيو.
في القسم الافتتاحي، يصف بوكاتشيو الأثرياء وهم يعزلون أنفسهم في المنازل، إذ يستمتعون بالنبيذ الراقي، والمؤن، والموسيقى وغيرها من وسائل الترفيه. الأغنياء جداً (الذين يصفهم بوكاتشيو بأنهم «قساة القلوب») هجروا أحياءهم تمامًا، وانسحبوا إلى ضياعهم المريحة في الريف، «كما لو أن الطاعون كان يستهدف مهاجمة أولئك الذين بقوا داخل أسوار مدينتهم فقط».
في غضون ذلك، فإن الطبقة المتوسطة أو الفقراء أجبروا على البقاء في المنازل، «يصاب الآلاف منهم بالطاعون في أحيائهم الخاصة، يومًا بعد آخر»، ويفارقون الحياة على وجه السرعة. سهر الخدم بإخلاص على المرضى في الأسر الثرية، وغالبًا ما يستسلمون بأنفسهم للمرض. الكثيرون، غير القادرين على مغادرة فلورنسا والمقتنعين بموتهم الوشيك، قرروا ببساطة أن يشربوا ويحتفلوا بقية أيامهم الأخيرة في احتفالات نهلستية صاخبة، بينما في المناطق القروية، يموت العمال «مثل بهائم عجماء أكثر مما هم كائنات بشرية، ليلاً ونهاراً، ولا يحضرهم طبيب أبداً».
عد الوصف القاتم للطاعون، ينتقل بوكاتشيو إلى المئة قصة التي يرويها عشرة من النبلاء الذين فروا من شحوب الموت المعلق فوق فلورنسا ليتنعموا في القصور الريفية المخزّنة بوفرة، ومن هناك يروون حكاياتهم.إحدى المسائل الرئيسة في (الديكاميرون) هي كيف يمكن للثروة والمزايا أن تضعف قابلية الناس على التعاطف مع معاناة الآخرين. يبدأ بوكاتشيو المقدمة بالمثل السائر: «إنها طبيعة إنسانية أن تبدي الشفقة على المنكوبين». ومع ذلك، ففي العديد من الحكايات يواصل تقديم شخصيات غير مكترثة بشكل فظ بآلام الآخرين، ممن أعمتهم دوافعهم وطموحاتهم الشخصية.
في إحدى الحكايات الخيالية، يعود رجل ميت من الجحيم كل يوم جمعة وينحر بشكل طقوسي المرأة نفسها التي رفضته عندما كان على قيد الحياة. في حكاية أخرى، أرملة تتفادى قسيساً شبقاً بخداعه لينام مع خادمتها. في حكاية ثالثة، يمتدح الراوي إحدى الشخصيات على ولائه الأبدي لصديقه بينما هو، في الواقع، قد خان ذلك الصديق بشكل عميق على مدى سنوات عديدة.
البشر، كما يبدو أن بوكاتشيو يريد أن يقول، يمكن أن يفكروا في أنفسهم على أنهم مستقيمون وأخلاقيون لكنهم، لا شعورياً، قد يظهرون اللا مبالاة تجاه الآخرين. نحن نرى ذلك في رواة القصص العشرة أنفسهم: إنهم يبرمون ميثاقًا للعيش بشكل مستقيم في منعزلهم الجيد التجهيز. ومع ذلك، بينما يسلّون أنفسهم، ينغمسون في بعض القصص التي توضح الوحشية والخيانة والاستغلال.
أراد بوكاتشيو أن يتحدى قرّاءه ويجعلهم يفكرون في مسؤولياتهم تجاه الآخرين. تطرح «ديكاميرون» أسئلة: كيف يتعامل الأغنياء مع الفقراء في أوقات المعاناة الواسعة النطاق؟ وما هي قيمة الحياة؟
في الوباء الخاص بنا، مع وجود الملايين من العاطلين عن العمل بسبب فيروس أودى بحياة الآلاف، فإن هذه المسائل وثيقة الصلة بالموضوع.
The Conversation