الموازنة والنقاش العام

الصفحة الاخيرة 2021/01/17
...

عبد الهادي مهودر
لم تشهد أية موازنة مالية جدلاً واسعاً، كالذي تشهده الموازنة المالية العامة لسنة 2021 التي يتحدث عنها الوزير والفقير والاقتصادي والرياضي والفيلسوف وفتاح الفأل وقارئة الفنجان، وهي القاسم المشترك لتصريحات السياسيين والمحللين «والمحرمين» وسائقي سيارات الاجرة والكيا والكوستر والسايبا وابي التكتك وبائع الجملة والمفرد واصحاب المطاعم والمخابز والأفران، ولو كانت الموازنة رجلاً لكان الفائز الأول بجائزة الاسم الأكثر تداولاً في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وفي احاديث المقاهي والمطاعم والمضايف العشائرية، والمشاركة في النقاش حالة ايجابية، لكنها احيانا مثل الصخب الذي يحدث جلبةً وتشويشاً، فتختلط على الناس الحقيقة ويصعب فهم الهدف والجدوى والمصلحة من القرارات المتعلقة بحياتهم ومستقبلهم، ومنذ نشر الموازنة اصبحنا نسمع الجمل والعبارات نفسها على ألسنة المختصين وغير المختصين ومن أشهرها وأكثرها تداولاً عبارة (ان حجم الانفاق في موازنة 2021 كبير جدا ولا يتناسب مع الازمة الاقتصادية) حتى اصبحت محفوظة المحللين والجماهير، وصار لزاماً توضيحها في محفوظة مختصرة مقابلة، وفي اكثر من بيان وتصريح ومقابلة ومؤتمر صحفي، فلا يكفي وسط الضجيج أن تقول كلمتك وتمشي والتكرار لابد منه لتوضيح الملتبسات والواضحات .
واللافت في جدال الموازنة هو التصريحات النارية للنواب التي تتضمن تهديدا ووعيداً ومنعاً للتصويت على أي قرار يمس رواتب الموظفين واعتبروها خطاً احمر، لكن واقع الحال والتوقعات تشير الى ان الرواتب ستكون خطاً اخضر وخطوطا بيضاء يجب العبور عليها، والنواب الذين هددوا وتوعدوا بـ(لن  ولم ولا  وعلى جثتي) سيصوتون على تمرير الموازنة في نهاية المطاف مع هامش تعديل بسيط هنا وهناك يساعد في حفظ ماء الوجه، واذا تمت مناقشة اي نائب وتذكيره بمواقفه النارية السابقة الرافضة سيتلو عليك انشودة الاولويات والمعطيات والمدخلات والمخرجات، أما التصريحات الرافضة اليوم فهي فرصة الكتل السياسية لدغدغة مشاعر الجمهور الذي يكبر وينسى ويتفهم ويحتاج الى دغدغة بين وقت وآخر، خاصة ان النواب والمعترضين الذين ارتفعت درجة حماوتهم مع قرار رفع سعر صرف الدولار  اكتشفوا ان هذا القرار من مختصات البنك المركزي العراقي وبهذا الاكتشاف الخطير تخلصوا من العتب واللوم واكتشفوا ايضا ان تهديدهم ووعيدهم هواء في شبك، واكتشف المواطنون كذلك ان الكثير من المدافعين في البرامج الحوارية عن حقوقهم انما يستعرضون قدراتهم وعضلاتهم اللسانية ويأكلون برأسهم حلاوة ويستدرون عواطفهم تحضيرا لدخول العملية الانتخابية ولن يكون صعبا عليهم التنصل عن وعودهم بالتعويل على طيبة الناس ونعمة النسيان، والمهم في اجواء الحرية والتعددية الاعلامية ان الكل يشاركون في النقاش ثم تنفذ بعد ان كانت تنفذ ولا تناقش .