ما الذي يتوارى خلف ترامب؟

آراء 2021/01/17
...

  رزاق عداي

 
 
 
أعتقد أن من التبسيط والافراط بالاستسهال، اعتبار ما حدث بالامس من احتلال لمبنى الكابيتول الاميركي، موقع الكونغرس، هو فقط من منتجات ومخرجات شخصية الرئيس الاميركي المنتهية ولايته - ترامب - المثيرة للجدل والمتهورة جدا، فالمنطق التاريخي يدعونا الى تفحص الفواعل العامة والعوامل الموضوعية التي مهدت للحدث، اما بالنسية الى التركيب الشخصي لـ ـ ترامب - فلا يختلف اثنان على استثنائيته في الحمق والاندفاع اللامحدود في اتخاذ القرارات الغرائبية، بطابعها الفردي المنافي للسياقات الديمقراطية والدستورية وحتى الادارية المثيرة للدهشة والاستغراب. 
فبقدر غرابة فوزه على منافسته في انتخابات 2016، هيلاري كلنتون، جاء فشله في انتخابات 2020 اكثر درامية ودويا واما ما حدث من احتلال لمبنى الكابيتول الاخير، فقد مثل الحلقة المتواصلة لرفضه نتائج الانتخابات، لقد فاز في انتخابات 2016 بعدد اصوات تقارب الستة وستين مليونا، وخسر في الانتخابات الاخيرة حاصدا ثلاثة وسبعين مليونا،لهذه الاسباب وغيرها كثر يمكن ان يتحول ترامب الى ظاهرة اجتماعية وسياسية، فعندما سئل الرئيس الروسي عن شخص ترامب، اجاب انه يفتقر الى الوعي والحنكة السياسيين، ولكنه يمتلك حسا شعبيا، وهذا ما شكل عنصر التحريض في التظاهرات التي سبقت احتلال المبنى، فالمجموعات التي اقتحمته، كانت مجموعات عنصرية - عرقية متعددة الالوان والاتجاهات،قد لا تكون بالضرورة من انصاره الذين انتخبوه، ولكن التظاهرات هيأت لها فرصة ومناسبة للتعبير عن فوضويتها، منتهزة تخبطات - ترامب - ونقص وعيه السياسي وتجاوزه للدستور. 
كان شعار ترامب الاول والرئيس في حملته الانتخابية قبل اربع سنوات، أميركا اولا، يصب في مجرى التيار الشعبوي بوعي منه او بخلاف ذلك، ومن المسلم به ان الشعبوية بمختلف الوانها وتياراتها اصبحت في العقود الاخيرة تحتل مساحة مهمة في الفضاءات السياسية في اغلب البلدان الرأسمالية، كشكل من اشكال التيارات المضادة للعولمة العابرة واللاغية للحدود، ومن البديهيات ان أميركا لا تملك تاريخا قديما، فهي كيان ينظر ويتفاعل مع المستقبل، كما يصف الأميركان انفسهم، والذي صنعها وشكل كينونتها الراهنة هو السوق، فهي بلد مترامي الاطراف على امتداد قارة كاملة، وغنية بالموارد الطبيعة، فكانت الارض الجديدة التي تطلعت اليه كل اقوام الارض، من كل الالوان، وكان الاتجاه الليبرالي قد ترعرع في ربوعها منذ صعودها، والذي اقترن بالمنهج الديمقراطي، فالديقراطية نشأت مع تطورها السريع في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين خاضت حربا باردة مع الاتحاد السوفيتي السابق انتهت بفوزها، وكل هذا لايعني ان الديمقراطيات تبقى مقدسة الى الابد وان تسلم من الازمات، وما حصل في الاسبوع الماضي يعد خرقا للديمقراطية وللدستور الاميركيين.