السيد!

الصفحة الاخيرة 2021/01/19
...

حسن العاني 
مع كل ما يقال عن العراقيين (بسبب مناخهم المقرف)، 
من طباع حادة وغضب سريع، ولكنهم بالمقابل يتحلون بخلق رفيع وادب جم وكرم لا يضاهى، ومما يحضرني الان، ان اسرة مصرية (صعيدية) جاءت الى العراق في ثمانينيات القرن الماضي، واستأجرت من باب المصادفة، البيت المجاور لنا، وعلى العادة العراقية المتوارثة اكرمَ الجيرانُ وفادة 
(الضيوف) المصريين وأقاموا لهم دعوات غداء او عشاء، وبدوري ضيفتهم، ولكن الذي حصل ان علاقة وطيدة سرعان ما جمعتني برب الاسرة، الذي كان يتميز بالوداعة والطيبة والسخاء، ولكنه ذو طبيعة حذرة مع حساسية مفرطة لعلها ناتجة عن ظروف سياسية صعبة مر بها في بلاده،  بعد مرور شهر، او قريباً من هذه المدة، رأيت من واجبي أن اعرض  على  جارنا الجديد واسمه (سيد)، مرافقتي الى المقهى، كي لا يبقى سجين البيت، ولكي يتعرف على الناس في الوقت نفسه، وقد رحب الرجل بدعوتي، وشكرني عظيم الشكر، لأنه لم يعتد على ملازمة الدار في قريته 
المصرية !
وهكذا اصطحبته ذات مساء الى مقهى الطرف، وهو كغيره من المقاهي الشعبية، بعيد عن التكلف، 
ويتسم بأكبر قدر من العفوية ورواده في الغالب أصدقاء او جيران او معارف، وما كدنا نلقي التحية على الحضور، ونأخذ لنا مكاناً مع مجموعتي او شلتي التي اجلس معها، حتى انبرى أعضاء 
الشلة على العادة العراقية الجميلة يحيون قدومنا، بالعبارة المألوفة (الله بالخير) او، مساكم الله بالخير) 
ولان الرجل يدخل المقهى لأول مرة، فقد حاول بعض الحضور الترحيب به ترحيباً خاصاً على غرار (الله بالخير سيد) او (اهلاً وسهلاً بيكم سيد) او (مساكم الله بالخير سيدنا)!
وعلى عادة المقاهي الشعبية في بغداد وعموم المحافظات العراقية فان عبارة (الله بالخير ) لا تأتي من جماعتك او شلتك فقط، وانما تأتي من 99 % من رواد المقهى، وهكذا امطر الحاضرون جاري المصري بهذه التحية البغدادية من كل صوب، وغالباً ما كانت مصحوبة بمفردة سيد، 
وبقدر ما كان الرجل سعيداً بهذا الترحيب، الا انه كان متوتراً شديد الحذر، ولذلك حين فرغنا من شرب الشاي، اصر على أن نغادر المقهى، فلم اعارض رغبته، وفي طريق العودة فهمت انه كان في منتهى القلق، لان رواد المقهى جميعهم يعرفون اسمه (سيد)، وهذا يعني من وجهة نظره ان هناك امراً غير طبيعي، وعبثاً حاولت اقناعه، وهكذا فوجئت بعد يومين بانتقاله الى محلة أخرى، ولكن المفاجأة الأكبر هي حين التقيته مصادفة بعد أسبوع على انتقاله فقط، فقد أوضح لي انه يتهيأ للعودة الى مصر، لان سكان المحلة الجديدة جميعهم عرفوا اسمي من اول يوم.. على حد تعبيره!