عديد من المحللين السياسيين وبعض الدول في المنطقة يعتقدون او يتمنون انهيار الاتفاق النووي الذي توصلت اليه ايران مع المجموعة السداسية الغربية عام 2015 . هذا التمني يستند في جوهره الى ان الاتفاق النووي منح ايران فرصة لتجديد حياتها السياسية والامنية في منطقة الشرق الاوسط مستفيدة من الارصدة المالية التي افرج عنها بعد التوقيع على الاتفاق . وعلى ذلك يجب العمل على انهيار هذا الاتفاق لسحب ماحصلت عليه كشرط لتغيير سلوكها في ملفات الشرق الاوسط التي تتحرك على رمال متحركة منذ ما يقارب النصف قرن .
خطوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي هي في حقيقة الامر ارادت ان تضع الحجر الاساس لهذا البرنامج على الرغم من معارضة الاتحاد الاوروبي وايضا روسيا والصين للانسحاب اولا، ولانهيار الاتفاق الذي حقق – كما يعتقدون – مكاسب لم تكن تتحقق بدونه ، إن كانت للجانب الغربي او للجانب الايراني .
ان اصرار الاتحاد الاوروبي على ابقاء الاتفاق النووي ، ودفع طهران على البقاء في اطار هذا الاتفاق يأتي في اطار رغبة هذه الدول الحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الاوسط ، لان هذه الدول تعتقد - كما كان يعتقد الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما - ان هذا الاتفاق وان كان يحمل في طياته قضايا تقنية تتعلق بالبرنامج النووي الايراني والوقوف امام الطموحات الايرانية النووية ، الا انه ايضا – وهو مهم – يحملٌ نقاطاً تؤمّن للجانب الغربي غطاء امنيا لمصالحها المتنوعة والمتعددة في منطقة الشرق الاوسط . واستنادا الى ذلك كان من المفترض ان تكون هناك مفاوضات اخرى مع ايران تناقش بقية القضايا العالقة في الشرق الاوسط والتوصل الى حلول تستند الى قاعدة رابح – رابح لحل ما يمكن حله من المشاكل في هذه المنطقة المفعمة بالازمات منذ بداية الثمانينيات وحتى الان . الا ان فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية ، ورغبته في الايفاء بوعوده التي اعطاها لللوبي الاسرائيلي بالقضاء على الاتفاق النووي اعاد الاوضاع للمربع الاول وحشر كل الاطراف المعنية بهذا الاتفاق ومنطقة الشرق الاوسط في زاوية حرجة بما في ذلك الولايات المتحدة ومصالحها في هذه المنطقة .
ان الرابح الوحيد في هذه المعادلة هي اسرائيل ومن يفكر معها بضرورة محاصرة ايران اقتصاديا ، وتشديد الحظر، وتصعيد الموقف بتشكيل تحالف دولي « قد » يضفي في نهاية المطاف الى حرب عسكرية تؤدي الى تغيير النظام السياسي في ايران .
من الناحية النظرية البحثية قد يكون هذا التصور ممكنا، لكن العارفين بمسير الرياح والرمال المتحركة في الشرق الاوسط يشككون بقدرة هذه العوامل على تغيير النظام السياسي في ايران او التأثير في سلوكه الاقليمي عبر الخيارات العسكرية او الامنية . وان سنوات الحصار التي تعرضت لها ايران قبل العام 2015 لم تثنها على تغيير السلوك كما انها لم تصب بعدوى الربيع العربي - كما توقع البعض – وانما استطاعت اقناع الدول الغربية بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة بخيارات الطاولة المستديرة التي تعتبر افضل الخيارات من اجل التوصل الى حلول للمشاكل العالقة .
وقد اثبتت التطورات ان الاصرار على الاصطفاف الاقليمي والدولي لمحاصرة ايران بقدر ماهو لا يخدم مصالح الدول المعنية بمنطقة الشرق الاوسط فهو لا يخدم ايضا الامن والاستقرار في هذه المنطقة .
ان ثقافة الحوار والتعاون الاقليمي والدولي هو الخيار الافضل من اجل تخطي المشاكل وصولا الى منطقة اكثر امنا واكثر استقرارا لاحتضان التنمية المستدامة التي ترغب بها شعوب المنطقة ، اما التفكير بازاحة هذه الدولة او تلك من خارطة الشرق الاوسط فان ذلك يعني المزيد من التدهور الامني والمزيد من عدم الاستقرار الذي سئمت منه دول المنطقة.