يبدو أن المجتمع الثقافي على موعد آخر من الفعاليات التي تقام عن بعد، بعد الظهور الفعلي لما يعرف بـ «السلالة الجديدة لفيروس كورونا» الذي ألقى ظلال تحولاته على جميع المستويات، خلال ظهوره مطلع العام الماضي. وها هو يظهر مرة أخرى تحت عنوان «السلالة الجديدة»، ليقول للمجتمع الثقافي إنه أيضاً يتفاعل مع ما يتعلق بالمستجدات، وستكون التحولات التي يحدثها الأبرز في ترتيب مستوى العلاقات الإنسانية، حتى وإن جاء الترتيب رقمياً.
السلالة الجديدة، ستحاول تعويض التباعد الأدبي بين المبدعين، بمزيد من التقارب الإلكتروني ذي الانعكاسات النفسية المتناقضة، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن العدوى التي تنقل الفيروس من شخص لآخر عن طريق الملامسة، ستتحول إلى عدوى تقارب رقمي.
السؤال الآن: كيف ستكون جودة الفعاليات الثقافية رقمياً في ظل السلالة الجديدة؟، وهل يمكن لنا تبني تصورات معينة بعد تجربة الفعاليات التي أقيمت خلال فترة السلالة الأولى؟.
سألتُ شاعراً كثَّفَ حضوره في الأمسيات التفاعلية خلال الفترة الأولى للتباعد الاجتماعي عن سبب قلة ظهوره في هذه الفعاليات، فقال إنه بدأ يشعر بالملل من تكرار هذه الفعاليات لدرجة أنها عملت له اكتئاباً رغم أن الأجواء ودية خلال فترة بث الفعاليات، ليصل إلى قناعة أنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الفعاليات الواقعية حتى مع كونها حلاً مؤقتاً بدا مقبولاً أول الأمر.
بينما في مكان آخر، بدا الموضوع مختلفاً عن رؤية صديقي الشاعر الملول، حيث تابعت على موقع فيسبوك التفاعل الكبير مع مهرجان طنجة الدولي للشعر في كانون الأول الماضي على مستوى الذين شاهدوا الفعاليات، أو حتى مستوى التعاطي الاعلامي مع هذا الحدث الذي بدا رغم افتراضية إقامته واقعياً، فهل تكون الفعاليات الرقمية خاضعة للأمزجة والجغرافيا، أم أن الفعالية إذا أقيمت تحت عنوان مهرجان بأنشطة معينة خلال مدة زمنية محددة تكون أفضل من فعالية تقام تحت عنوان ندوة أو أمسية تتكرر كل يوم، أو ربما تتكرر أكثر من مرة خلال اليوم الواحد؟
برأيي أن سبب التفاعل الكبير مع المهرجان المذكور يعود إلى أنه مترسخ في الذاكرة الثقافية، وما إقامته افتراضياً في نسخته الأخيرة إلا نتيجة لواقع صحي، بينما لم تترسخ الأماسي – أكثر الأماسي - في الذاكرة في نسخها الواقعية، فكيف بها وهي رقمية لا جديد فيها؟
ومع ذلك فنحن لم نعرف كيف شعر المشاركون في المهرجان الرقمي، لأننا تحدثنا عن نجاحه من ناحية التفاعل والإقبال على مشاهدة الجمهور للفعاليات، والتعاطي الاعلامي المكثف والمواكب له، لكن ماذا عن الشعراء المشاركين في الأمسيات، والنقاد والمفكرين في ندواتهم خلال أيامه؟
ومع أهمية الاستئناس بآراء المختصين بعلم النفس الاجتماعي، لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار واقعية العدوى الرقمية، وحلولها الفعلي في الأنشطة الثقافية، وكيف بدأت تؤثر فيها بصرف النظر عن مستوى هذا التأثير؛ لأن المهم هو محاولة تقريبها قدر الإمكان من الأجواء الواقعية التي بدأت تعود بشكل بطيء، والنظر إليها لا بوصفها بديلاً عن الأنشطة التي تقام في الواقع؛ لأن هذا التصور غير منطقي، بل بوصفها مجال تواصل آمن، يحقق نوعاً من تواصل اجتماعي/ ثقافي، تتم إدارته بتقنيات رقمية اتصالية، أما التباعد خلال هذه الفعاليات إنما هو تباعد مكاني
لا اجتماعي.