أدرك المؤلف هذه المهمة الصعبة ومن هنا أراد أن يكسر المتوقع الدرامي في هذا النص الجديد بـ (حجر ضخم) كما يصفه في دليل العرض، وأحسبُ أن (الحجر الضخم) قد تمثل لنا بإسقاط أحداث المسرحية الكلاسيكية والتناص معها على الوقت الراهن.
وجاء استخدام جهاز (الموبايل) للتواصل بين الشخصيات، والتنويه باستخدامه كأداة لتوثيق جريمة القتل والاستيلاء على كرسي الحكم بحجمه الصغير الذي بقي في ديكور العرض ثابتاً أعلى وسط المسرح على منصة حمراء كدلالة واضحة في معنى الاستيلاء على السلطة من خلال جريمة القتل. وكان يمكن للمخرج أن يتعمق أكثر باستخدام هذا المجال التكنولوجي من خلال كاميرات المراقبة للقصر الملكي والتسجيل الفيديوي واستخدام البث المباشر لبعض أحداث المسرحية.
تبدأُ خارطة العرض المسرحي للمخرج من عملية التحوير والتبديل لقاعة العرض في المسرح الوطني وطريقة جلوس الجمهور القريبة من خشبة المسرح بمسافة حميمية حيث أُلغيتْ الكراسي وحلَّتْ محلها المصاطب الطويلة التي لا تتسّعُ لجمهور غفير، فضلاً عن أن طريقة الجلوس هذه غير مريحة وتثير التوتر والتململ، ومن هنا جاءت طريقة تلقّي منظومة العرض بعد تغيير (علبة المسرح) في المسرح الوطني أقرب ما تكون بمنظومة العرض في قاعة المسرح التجريبي في منتدى المسرح.
واكتفى المخرج في تأثيثه للعرض على ديكور المنظر المسرحي الواحد الثابت الذي وَضَعَهُ في مركز المسرح وأساسه كرسي الملك المجرد الصغير وفوقه مجموعة إطارات (فريمات) متداخلة تمَّت الإشارة اليها على أنّها مجموعة مرايا في غرفة الملكة وربما كانت الملابس المعلقة في تلك الاطارات هي دلالة على ضحايا كرسي الحكم، ولمْ يتم تحريك مفردات هذا الديكور طوال عرض المسرحية أو تغيير أماكنها أو التعامل معها رغم تعدد الشخصيات.
وكانت الثيمة الرئيسة للدم والشَّر والقتل حاضرة من خلال توظيف اللون الأحمر سواء في الإضاءة إذ تكرَّرَ استخدام الإضاءة الحمراء التي تملأ فضاء المسرح وبوجه الجمهور، وكذلك في المنصة التي يرتكز عليها كرسي الملك فضلاً عن استخدامه في الملابس وخاصة ثوب اوفيليا الأحمر، وكانت الملكة أحرى باستخدام هذه الدلالة.
وبمجملها كانت منظومة الإخراج لدى مناضل داود رشيقة وجاءت بجماليات مختزلة،واعتمدت نسق المشاهد المسرحية القصيرة، وأعطتْ إيقاعاً سريعاً متدفقاً خاصةً وأنه قد عوَّل كثيراً على مجموعة رائعة من الممثلين قادهم بقدرة إخراجية منسجمة ومتناغمة وليس فيها من هنة أو ضعف. في التمثيل تجدر الإشادة بأداء (جاسم محمد) بتجسيدهِ لشخصية (كلاوديوس) إذ كان حضورهُ طاغياً بطبيعة صوته والأداء الذكي المتمكن بعمقه وتأثيره، ولم تكن (زهرة بدن) بأقل من هذا الأداء حيث التناغم والانسجام بينهما، وفي أداء(اياد الطائي) لشخصية (هاملت) فكأني بالأخير قد بُعثَ من جديد بنسختهِ المعاصرة ومأزقها الحياتي الذي تمرُّ به، وأزاءه تقف (اوفيليا) التي أدَّتْها (آلاء نجم) بكل عنفوانها وقوتها المسرحية المعهودة، في حين أنَّ (حسن هادي) قد أكدَّ هنا طاقتَهُ التمثيلية المتجددة التي بدأ يؤكدها عملاً بعد آخر، وكان (أمير إحسان) في أداء واضح ومُميز تَرَكَ أثرَهُ واضحاً بهذا الأداء الصوتي والحركي المُبهر بنبرتِهِ الواضحة، وكذلك الحال مع (أحمد شوقي) في شخصية (هوراشيو) حيث الأداء الهادئ الرصين، ولا بُدَّ من تحية فنية للفنان القدير نضير جواد وهو يحضر ضيف شرف في شخصية الملك القتيل.