الواقع والمثاليّة

آراء 2021/01/23
...

 ريسان الخزعلي 
 
يسعى الإنسان، ومنذ تفتّحات وعيه المعرفي إلى تغيير الواقع الذي يعيش فيه باتجاه واقع أكثر تطوّراً ونفعاً، والواقع المقصود هنا، هو كل ما يُحيط بالإنسان من ظروف حياتي: فكرية، سياسية، اقتصادية، تعليمية، دينية، سكنية، اجتماعية.. الخ .
وغالباً ما يقف بالضد من هذا المسعى النظام ( السياسي/ الاجتماعي ) القسري المفروض على المجتمع، والذي يحاول تسيير نمط الحياة وفق مايراه ويُلائم قناعاته الفردية المُكرّسة لضمان وجوده واستمراره، وكلّما حاول الإنسان، فرداً أو جماعاتٍ، أن يطرح أفكاراً جديدة ومغايرة من أجل التغيير، يُتّهم بالطوبائية ( المثالية)، وكأنَ هذا التوصيف يُمثّل خللاً عقلياً أو نقصاً معرفيّاً.
إنَ الطوبائية، ماهي إلّا نموذج فلسفي يروم إلى إيجاد دولة منظّمة، ومجتمع نموذجي يتفانى الأفراد في خدمته من أجل تحقيق الأهداف الحياتية العليا، وأهم الذين مثّلوا هذا النموذج، الفيلسوف ( إفلاطون ) الذي ترك أثره في التراث الفلسفي، وقد أشار هو وغيره من مؤيديه إلى أن الطوبائية هي أيديولوجية الثورة التي تتسم بالطموحات المتعلقة بالمستقبل، في حين يرى آخرون، أنَّ الفهم الواقعي يتطلب استقرار النظام القائم أو المحافظة على الماضي، ورغم هذا التفاوت في الفهم، إلّا أنه لا يمكن اغفال بعض طروحات الطوبائية الخيالية، التي لا تمّت إلى الضرورات الواقعية الحقيقية بأية صلة، كتلك التي يأتي بها الخيال العلمي أو الكاتب الوجودي المتمرد أو المفكّر الماورائي أو التطرف الحاد الذي يحصل في الكثير من المجالات وشؤون الحياة المتعددة.
مايهمّنا أكثر في موضوع ( الواقع والمثالية)، إننا نعيش في واقع غير متكامل، واقع ينقصه شرط التكامل في حدوده النسبية الممكنة، واقع يربكه الصراع : الفكري، السياسي، الثقافي، الطبقي، الاقتصادي، ولغرض تنقية هذا الواقع والوصول إلى المشتركات، لابدَّ أن يحصل الحوار البنّاء بين مفكّري المتصارعين، وطرح الأفكارالتي تسعى أن تجد طريقها إلى الصواب من أجل تغيير الواقع، ومما يجب الالتفات والإنتباه إليه في هذا الاتجاه، ألا يتم الطعن بما يُطرح ويُتّهم بأنه ُ طوباوي – رغم واقعيته وقابليته على التحقيق - حينما لا يروق لطرف من أطراف الحوار أو يتعارض مع مصالحه الذاتية.
إنَ فهم الواقع وأدراك ما ينقصه ضرورة يُحتّمها التطوّر، بعيداً عن الفهم القاصر لمعنى الطوباويّة.