المُتَصل.. الاستبدادي الديمقراطي

آراء 2021/01/24
...

 د. يحيى حسين زامل
 
 
 صاغ رائد «الانثروبولوجيا الحضرية» الأميركي «روبرت ريدفيلد» Robert Redfield))‏ (1897 - 1958) مفهوم “المتصل الريفي الحضري” (Rural–Urban– Continuum) لقياس مستوى التحضر في مجتمع “تيبوزتلان” (Tepoztlan) في المكسيك، إذ وضع مؤشراً يتحرك يميناً أو شمالاً لحساب ذلك المستوى. وتمَّ تعريف “المتُصل الريفي الحضري”: بأنها مناطق الاتصال التفاعل على امتداد محاور الطرق وتداخل العمران الريفي والحضري.
 وبهذا الصدد يمكن استعمال هذا المفهوم في قياس مستوى “الاستبداد والديموقراطية” في مجتمعنا العراقي، كمؤشر لقياس مستوى ابتعادنا أو اقترابنا من الديمقراطية والاستبداد، لا سيما نحن نس 00 تعد للانتخابات هذه الأيام . وهنا يمكن الإشارة الى أنه من الصعوبة بمكان استخراج قيم دقيقة لقياس موضوع ما في العلوم الاجتماعية، اعتماداً على مناهج كمية أو كيفية، لأن العلوم الاجتماعية والانسانية، ليست علوما طبيعية أو رياضية بحتة، بل هي علوم انسانية تحمل مساحات واسعة، وتمتلك أفقا متكيفاً مع المعطيات الاخرى.
 وفي الموضوع ذاته فإن قياس مستوى الديمقراطية في “المجتمع العراقي” فيه تحرك بشكل ملحوظ ولو بالشكل نحو اليمين، مسجلا درجات لا بأس بها من خلال الانتخابات، والتعبير عن الرأي عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والحصول على بعض الحقوق عبر التظاهر والاحتجاج في ساحات أعُدّت لذلك، وربما تعدتها إلى مساحات أو فضاءات أوسع، وهذا بحد ذاته كان مفقوداً في زمن النظام السابق، إذ يُمنع أي فرد في المجتمع في إبداء رأيه في أبسط الأشياء والمواضيع، وكم من شخص راح ضحية تلك الابداءات الاحتجاجية. 
 لا نقول إن التظاهرات والاحتجاجات لم تقمع اليوم، ولم تمنع، ولم يقتل بعض المحتجين، ولا نقول ان بإمكانك أن تمارس حقوقك الإنسانية بكل حرية، وإن بإمكانك أن تنتقد أي شخص، أو فئة أو جماعة أو حتى الحكومة أو الرئيس من دون خوف، أو قلق أو تهديد، ولكن هناك فسحة يمكن أن تكبر مع الأيام. وإننا بكل الأحوال ما زلنا في النصف الأول أو الجانب القريب من الاستبداد، ويمكن مع الأيام ان نتحول تدريجياً فنصل إلى النصف، ثم لنعبر إلى النصف الثاني القريب من الديمقراطية، كما أن هذه الحركة تعتمد على الحراك السياسي والاجتماعي للبلاد، وكلما تغّير النظام السياسي تتغير معه نقطة المؤشر يميناً أو شمالاً. 
 ومن المهم معرفة أن الديمقراطيات التي نسمع بها في البلدان الغربية، لم تأت من فراغ، بل جاءت ببطء وتقدم وتقهقر، تبعاً للظروف السياسية التي مرت بها، وكل ما في الأمر انهم تخلصوا من الأنظمة المستبدة بوقت أبكر، ولعل البعض لا تعجبه هذه الديمقراطيات العرجاء أو المتعثرة، وربما يصفها بالفوضى، ولعله يحّن إلى الانظمة الأبوية الصارمة (البطريركية) التي تنتشر في البلدان العربية إلى ما قبل حركات الربيع العربي، ولكنها بكل الأحوال أفضل من الأنظمة المستبدة التي تؤشر المتصلات فيها إلى أقصى اليمين، أو إلى 100 %، والتي غادر محطتها بعض البلدان الشرقية والعربية . 
 ونحن نقترب من الانتخابات البرلمانية ينبغي علينا تعزيز هذه الانتخابات، برغم ما فيها من مساوئ وتزوير، فلا توجد انتخابات بلا تزوير، لأنها المنفذ الوحيد للإصلاح وتحقيق الديمقراطية في البلاد، بشرط اختيار “الأصلح” بعيداً عن الميول والأهواء .