حبيب السامر
هل تتذكر أول كتاب اشتريته من مكتبة عامة، متى، وأين، وما عنوانه؟
لو ابتعدت قليلا لتتذكر أول عشرة كتب دخلت مكتبتك الشخصية، وكم استغرقت في قراءتها؟
أسئلة كثيرة تدور في رأسي، أحاول أن أقف على عتبة قدراتنا المتيسرة التي تجعلنا ندرك نشوة القراءة، ولذة امتلاك الكتاب الذي لم نعده يوما ترفا فكريا، بل هو الشعور الحقيقي بالمتعة، وأنت تتشمم رائحة الورق والأحبار، تتلمس الكتاب برفق وعناية، لأنه يأخذك الى علاقة حميمة بجذور المعرفة وسبل التشوق لملامسة الكلمات وهي تشع أمام عيوننا لسد رمق جوعنا للعنوانات اللافتة والأسماء المميزة وهي تقودنا الى عوالمها.
منذ بداية تطلعنا أخذتنا الحيرة، ونحن نسحب الكتب من رفوفها، لنمضي معها وقتا في المكتبة المركزية، على موائد أفكارها وسط هدوء جم.. تتملكنا الرغبة في اقتناء هذا الكتاب أو ذاك، بحكم التجاور مع طموحات واهتمامات بعضنا، نعتقدها عادة جيدة في رؤية هذه الكتب مصفوفة بعناية في مكتبتنا المنزلية البسيطة.
هذه الهواية التي سحبتنا كثيرا الى القراءة بما يتناسب مع تطلعاتنا الأدبية وقتذاك واستمرت الى يومنا هذا، حتى وصلت بنا حد الهوس الكبير في جمع الكتب وخزنها بعناية فائقة، كي نحقق الفائدة من قراءتها بشكل مستمر والتمتع برحلة قصيرة مع المؤلف وهو يسرد لنا حالات شتى قد نتوافق معها أو نقف بالضد بشأن طريقة الكتابة او حركة الشخوص، بدأنا نحرص على الاهتمام بالكتاب كأنفسنا.
هناك عادات كثيرة لبعض الأصدقاء ممن يقتنون الكتب المستعملة والقديمة ويعجبهم صفار أوراقها، والتي تجد بعض الصعوبة في تقليبها.. وهناك من يبحث بين تلال الكتب عن كتب عتيقة تنبعث منها رائحة تاريخ قديم.. ويتجاوز بنا الولع الى تكديس الكتب بعد ان نجد ضالتنا في بطونها. لقضاء لذة متناهية حد الغرق في قراءة الكتب، لأنها تبدو كأرواح تتحرك بين رفوف المكتبة المنزلية، يتجاور المؤلف مع مؤلف آخر في سهرة صامتة.. وهناك أيضا من يفكر كثيرا ويتردد أحيانا وهو يقلب الكتب الواحد تلو الآخر، كي يقتني كتابا مستنسخا أو من الطبعات الفريدة، قد تستهويه دار نشر من دون غيرها.. وفي بعض الأحايين ننتظر الطبعة الجديدة لمؤلف تابعناه وسبرنا غور الدهشة في القراءة، عادات وطباع لامثيل لها.
مع مرور الوقت نَمَتْ وكبرتْ مكتباتنا، صارت عوالمنا التي نلجأ إليها كل وقت، ونمضي معها ساعات وساعات، لكنها الحسرة وأنت تنتقل من بيت الى آخر، ومن مدينة الى أخرى أو ربما من بلد الى آخر، كم أضعنا كتبا، بل مكتبات تركناها خلفنا، وبدأنا نؤسس، ونبني مكتبات جديدة لتكون مناخا لنا، وأنيساً نلوذ به كلما حاصرني الضجيج.
تنتشر العديد من المكتبات الإلكترونية في الشبكة العنكبوتية، وبإمكانك أن تتصفح الكتاب الذي تختار مجانا، لكن هل يحقق الرغبة الحقيقية والتفاعلية مع الكتاب الورقي؟، قد نجد إجابات مختلفة طبقا لحالة المتلقي ورغبته في الشراء بسعر رمزي من المتصفحات العديدة في مواقع التواصل الاجتماعي، كل هذه التساؤلات مطروحة حسب رغبات الشخص الذي يود الاقتناء الكترونيا أو ورقيا، وكم نحتاج من الوقت كي ننجز قراءة ما لدينا من كتب ونحن نعاني من ضيق الوقت.
يرى مانغويل المكتبة كأنها مدينة ساحرة تزداد ليلا جمالا وغواية؛ وهو ينحاز بوضوح للمكتبة الورقية، ولا يرى أن المكتبات والكتب الالكترونية قادرة على أن تعوض وجود المكتبة.
وأنا أكتب، دفعتني الرغبة الى إعادة ترتيب مكتبتي، حتما سأعثر على كتب مؤجلة أو ربما منسية!.