وقف العلامة الدكتور محمد حسين الأعرجي عند منجز الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي (حين استقرّ في باريس بأموال المساكين العراقيّين التي تصل إليه كلَّ شهرٍ بحجّة أنّه معارض لسياسة أنور السادات)، وهي وقفة حددت النسق الثقافي المضمر مبكرا.
لكن، ما المضمر في خطاب الشعراء المعاصرين والقدامى معا، وهل نكتفي بالتقرب من السلطة نسقا ثقافيا مضمرا؟
ولنقف عند تنسيق الأغراض،وما هو مضمر منها وماهو معلن، إذ يتساءل العلامة الدكتور محمد حسين الأعرجي (لماذا لا يُردّ ـ على سبيل المثال ـ شعر أبي نواس إلى الأعشى الحجازي؟
أليس أبو نواس تلميذاً وفيّاً لتجربة الأعشى في خمريّاته؟
وأرجو ألاّ يظنّ أحدٌ أنّني أقول هذا رجماً بالغيب، وإنّما أقوله عن دراسة؛ فقد كتبت طالبة جزائرية رسالةً بعنوان: "خمريات أبي نواس" تحت إشرافي فكان من نتائجها المهمّة إثبات وفاء أبي نواس لأستاذه الأعشى في تجربته، وليس لأحد سواه).
والمضمر هنا هو نسق التقليد وقد كان تقليدا وفيا حسب رأي الدكتور الاعرجي وطالبته؛ أما في مدح الظالمين فحسبنا ماذكره الأعرجي في كتابه في الادب وما اليه (فأن يكتب معمَّر القذّافي كتيّبه المعروف بـ "الكتاب الأخضر" ثم يُسميه "النظرية العالمية الثالثة"، ويؤسّس له من أموال الشعب الليبيّ مركز دراسات اسمُه: "مركز دراسات الكتاب الأخضر" فتلك مأساةٌ مُضحكة.
وأن يكتب مجموعة قصصيّة اسمها: "القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء"، فتلك مأساةٌ مُضحكة.
وأن يستوقف طاغية مثل صدام شاعراً مُرتزِقاً مدّاحاً مثل عبد الرزاق عبد الواحد ليصحّح لهـ بزعمهـ قافية فتلك مأساةٌ مُضحكة.
وأن يعيب على عالم الاجتماع العراقي البارز الدكتور الوردي نظريّته في ازدواج شخصية الفرد العراقي فتلك مأساةٌ مُضحكة.
وأن يُعلّم الروائيّين كيف يجب أن يكتبوا رواياتهم فتلك مأساةٌ مُضحكة.
أن يحدث كلُّ هذا وأمثاله في كل بلد عربيّ تقريباً فإنّ ذلك لا يعني إلاّ شيئاً واحداً هو قول هذا الحاكم أو ذاك: إنّني أنا الحاكمُ، والمفكّر، والأديب، والقاصّ. وإنّني أنا الرقيب الحسيب على كلّ ما يُقال وما يُكتب. وقد يكون ذلك من حق أيّ دكتاتور تافه أن يقوله.
وأقول: دكتاتور تافه وفي ذهني أن هتلر ترفّع عن مثل هذا، وأن موسولييني ترفّع عنه أيضاً، وأنّ نيرون لم يفعله؛ فلم نقرأ لا في تاريخه ولا في تاريخ زميليْه أنّهم ادّعوا كتابة الشعر، أو القصَّة، أو الرواية. ولقد يكون من حق القذافي أن يظن أنّه قاص، لكن لم يكن من حق نفر من الأدباء المصريّين أن يتحدّثوا في ندوة عامّة ـ نقلها التلفاز الليبي مباشرةً ـ على أنّ مجموعته القصصية من أعظم المجموعات القصصيّة.
لم يكن ذلك من حقّهم؛ لأنهم قرؤوا قصص يحيى حقّي، ونجيب محفوظ...).