هل فشل الربيع العربي؟

آراء 2021/01/25
...

 د. أثير ناظم الجاسور
 
 
منذ العام 2011 وحتى اليوم خرجت الكثير من الدراسات والبحوث والتقارير، التي تتحدث عن واقع المجتمعات العربية بعد ثورات الربيع العربي، التي اجتاحت دولاً أساسية في هذه المنطقة، لا تزال تبعات هذه الثورات تدفع الشعوب ثمنها بعد أن أرادت أن تتخلص من أنظمة جثمت على صدرها لعقود طوال، فبعد أن ساعدت الظروف الإقليمية 
والدولية هذه الشعوب على تحقيق ما ارادته، لم يكن التغيير وفق ما تشتهيه شعوب المنطقةن فالتجربة التونسية تغنى بها الكثيرين بما تحمله من استقامة وسداد عادت اليوم من جديد مشتعلة بسبب ما وصلت اليه ظروف هذا البلد السياسية والاقتصادية، ومصر التي انتكست بعد عام من الثورة ارادت النهوض، فكانت التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ايضاً دليل على انها مستمرة في معاناتها إرهاب وقتل في سيناء زيادة في البطالة تدهور العملة والعديد من المشكلات الاجتماعية، التي بالضرورة ستؤثر شكل كبير على الدولة ومخرجاتها، ليبيا لا تزال تسير نحو الانهيار التام بين سلطة حكومية وأخرى عشائرية وثالثة متمثلة بالجماعات المسلحة التي باتت تفتك بالمواطن، اليمن لا تزال المعادلات الإقليمية تلعب دوراً في تركيب ارقامها الصعبة، فتارة هي ضحية التمرد وأخرى ضحية التدخلات التي لا تنفك ان تحاول ان تجعل منها ساحة للتنافس والصراع، اما سوريا لا تختلف عن سابقتها فهي اليوم يُشن على ارضها حرباً بالنيابة خطيرة اثرت بشكل واضح في مستقبل المنطقة، بعد ان أسس النظام السوري وساعد العصابات الإرهابية ودربها اليوم هي ذات العصابات تخوض حرباً شرسة ضد نظامه إلى جانب الفواعل الإقليمية الأخرى، التي تغذي هذا الصراع ناهيك عن التوجيهات الدولية (الدول
 الكبرى).
لم يبق من دول الربيع إلا ما بقي من العرب ككل مجرد ذكرى ثورات وانقلاب وربيع، فهو مجرد تفاخر بما فعلوا، لأن في الحقيقة لا يفقهون ما سوف يعملون، وكل ما كانوا يحلمون به تحول بفعل عامل التفرقة الاختيارية إلى صيف حارق لا تقوى الشعوب على تحمله، فهم وضعوا انفسهم في اختبار صعب عندما قسموا المجتمع العربي حسب الطائفة والدين، فكانت المنابر التي كان من المفترض أن تدعو للحرية والتعقل والركون للعقل من اجل احياء الانسان دوراً في التفرقة التي أسس لها من قلب هذه الامة، واي كلام عن المؤامرة 
والضغط والتدخل الخارجي هو الشماعة التي يعلق عليها العرب فشلهم، لم تعد الدول العربية سوى دول مستهلكة للسلع والارواح، فهي اليوم غير قادرة على ان تنهض بواقعها حتى وأن أحدث عشرات الثورات ما لم يحصل تغيير شامل في التفكير الجمعي العربي، الذي بات يفرق 
بين العربي على أساس الانتماء حتى دول الربيع التي كانت تبحث عن مشروع دولة لم تخل من خطابات الكراهية، التي ساعدت على ان تجعل منها ارضاً مصدرة لعدم الاستقرار، مما عكست صورة للعربي تثير الرعب والخوف عند الآخرين، حتى وان كانت هذه الصورة النمطية قد تم خلقها، إلا أن العرب رسخوا هذا الرسم في عقول العالم بعد ان جعلوا من ارضهم أس القتل والتهجير والتشرد، ما زال العرب ينتظرون المخلص ذلك القائد صاحب الدور السوبرماني صاحب الاسهامات العظيمة، التي لا توصف تتركز في شخصه كل تجليات المراحل العابرة والغابرة والجميلة، بفعل واقع النظام العالمي والقوى المسيطرة والطموحات المالية والاقتصادية، فان هذا القائد بعيد كل البعد عن المنطقة الأهم بالنسبة للستراتيجيات العالمية، وحتى وان كانت هذه الستراتيجيات لا تبحث بالدقة شأن هذه المنطقة، فإن قادتها الافذاذ يصرون على أن الغرب وإسرائيل اكبر وأخطر من ان تتم مواجهتهم، بالتالي فإن الثورات التي كان من المفترض ان تقلب المعادلة العربية وتجعل من شعوبها شعوباً يمتلكون حريتهم وعقلهم جعلت منهم هذه المرة أداة طيعة بيد المشاريع الداخلية 
والخارجية.