لغة الاختصاص!

الصفحة الاخيرة 2021/01/29
...

حسن العاني 
يقال إن التعابير والمفردات اللغوية التي تستعملها الناس هي نتاج محيطها الاجتماعي العام، ولكل مجتمع مفرداته الخاصة به أو إنها، نتاج بيئتها الضيقة، كما هو الحال عند أصحاب الحرف والمهن، وفي الأحوال جميعها فإن تلك التعابير والمفردات أقرب ما تكون الى دلالات رمزية مفهومة عند التداول، من دون الحاجة الى شروح وايضاحات كما هو الحال في رموز الكيمياء او المصطلحات العلمية بين 
العلماء!.
ومن هنا فنحن على الصعيد الاجتماعي، حين نسمع مفردة (شدعوه) على سبيل المثال، ندرك في الحال انها تعبير استنكاري عن تضخيم الشيء كأن يكون سعر بضاعة مبالغاً فيه، او ان الشخص المقابل حمّل الكلام او الموقف اكثر مما يتحمل، او ان الحبيبة (زعلانه) على حبيبها زعلاً كبيراً، على الرغم من أنه لم يرتكب غلطاً يستحق ذلك واعتذر لها غير مرة .. الخ!.
ولعل المفردات التي يتعاطاها اصحاب الحرف والمهن، اكثر وضوحاً، فعبارة (الخطة اليومية) او (الخطة السنوية)، قد تكون غريبة الى حد ما على اسماعنا، وربما مجهولة المعنى، لكنها من ابجديات التداول بين اعضاء الاسرة التعليمية، وتداولها في ما بينهم لا يقتضي شرحاً او ايضاحاً، وكذلك قد لا ندرك مفردة (مخمر) مثلاً او (تسليح) او (ماستك)، لأنها من المفردات المتداولة بين عمال البناء، وهكذا هو الحال حين تتردد مفردات على غرار (هيد) او (راسية) في محيطها الصحفي، وبالطبع فإن للأطباء والمهندسين والعسكر والخياطين والرياضيين وباعة الخضر وسواق التاكسي.. 
الخ جملة من المفردات والتعابير المألوفة في لغتهم وتخاطبهم، وبناءً على ذلك يمكن التعرف بالمقابل احياناً، على مهن الناس وحرفهم عبر الكلام الذي يجري على ألسنتهم، حيث نستطيع الاستدلال على ان هذا المتحدث 
حلاق مثلاً او مربي طيور او بائع فواكه!.
السياسيون ليسوا كائنات فضائية، ولذلك لا يخرجون عن هذه القاعدة العامة، ولكن 
لأنهم سياسيون، ويجيدون فنون اللعب السياسية، فان اصطياد مفرداتهم يحتاج الى شيء من الفطنة والنباهة والذكاء، وأنا لا أدعي لنفسي أياً من هذه الصفات، واعترف بأنني مدين الى صديق امضى قرابة نصف 
قرن في دهاليز السياسة، واتقن دروبها واساليبها، قال لي الرجل: السياسيون في العالم نوعان لا ثالث لهما، اما (حكومة) او (معارضة)، ومع أنه في بلد مثل العراق يصعب التعرف على من هو معارض او من هو من انصار الحكومة، ولكن على العموم اذا سمعت سياسياً يردد مفردة 
(بعض) بكثرة على غرار (بعض الوزراء، بعض الأحزاب، 
بعض القرارات، بعض النواب.. الخ) فهذا يعني انه من 
المعارضة، لأن المعارضة عندنا لا تسمي الاشياء 
بأسمائها، وتتهرب من المواجهة والمصارحة، اما التعرف على اتباع الحكومة، فليس هناك ما هو اسهل منه، بل هو 
سهل جداً، لانهم يستعملون مفردة (سوف) بين جملة وأخرى!.