القبول الاجتماعي للفساد

آراء 2021/01/30
...

 شمخي جبر
 
 
يصبح الفساد ظاهرة مقبولة اجتماعيا حين يتراجع الحافز الذاتي لمحاربته، تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي أو النبذ الاجتماعي، الذي تمارسه السلطات الفاسدة في المجتمع والدولة، مما يجعل من ظاهرة الفساد ظاهرة يتعايش معها ثم يتبناها الجميع كسلوك وظيفي، ثم يتحول هذا السلوك تلقائيا الى جزء من منظومة القيم المجتمعية الجديدة، ويصبح بالتالي سلوكا مقبولا ومشروعا لدى الوسط الوظيفي بأسره، وهو ما يمكن أن يقع ضمن نظرية الامتثال الاجتماعي، التي تعد تلخيصا مثاليا لهذه الظاهرة، فالإنسان يرضخ في الغالب لعادات وأخلاق العامة، وقد يناقض مبادئه من أجل مسايرة عرف 
الجماعة.
وقد يصل الأمر الى تمأسس الفساد في ثقافة بعض المجتمعات، إذ يصبح الفاسد واللص وسارق المال العام لا يواجه بالنبذ الاجتماعي من الأوساط المجتمعية التي يعيش بين ظهرانيها، بل على العكس فإنه يقابل بالاحترام فلا يُسأل من أين لك هذا؟ فقصره العالي ذو المساحة الكبيرة وسيارته ذات الدفع الرباعي ومرافقيه يعطيه من الهيبة والمكانة الاجتماعية، مما لا يحصل عليها الشرفاء النزيهون من أقرانه فهم مفلسون من كل هذه 
المظاهر.
 واستمراره لفترة طويلة من دون علاج له آثار بنيوية في المجتمع، بمعنى أن آلياته وممارساته تتمأسس وتترسخ في عمق الممارسة اليومية الاجتماعية، بحيث تحوز آلياته على الاعتراف الاجتماعي وتتغلغل في الحس الجمعي للناس، وبنيوية أية ظاهرة هو مكمن خطورتها، لأن زوالها يصبح صعبا، بل مستحيل واذا زالت فإنها تظهر بكيفيات مختلفة. 
ومن هنا فإن الفاسد واللص الذي أفلت من عقاب القانون، أفلت كذلك من النبذ الاجتماعي ومن نظرة الاحتقار في ظل بعض الموروثات، التي لا تدين اللص بل تعده (زلمه يطلع حقه من حلك 
السبع) .
هكذا شخصية إذا تصالح معها المجتمع وقيمه تصبح أنموذجا وقدوة للشخصية الناجحة، التي تسعى الى أن تكوّن نفسها وتبني حاضرها ومستقبلها وتحقق مكانتها المتميزة مجتمعيا في فترة قصيرة، يصبح هكذا أنموذج قدوة لضعاف النفوس، ما دام قد استطاع الإفلات من كل الضوابط 
والقوانين.
هكذا شخصيات تنمو وتترعرع في مجتمعات تحكمها حكومات فاسدة، تحمي الفاسدين وتوفر لهم فرص الفساد والإفلات من العقاب، ويقابلهم المجتمع بمقولة (احترامي
 للحرامي).
وفي العراق نجد الكثير من هذه النماذج الطفيلية التي تجيد الخداع، بل تستطيع ان تتصدر المواقع الاجتماعية المتقدمة، محمية ومؤيدة من أحزاب توفر لها الغطاء والحماية من الملاحقة
 القانونية .