رزاق عداي
عند الصدمة الاولى لتفجير ساحة الطيران الاخير، كانت هناك تناقضات رسمية واخرى في الرأي العام العراقي، نتجت عن حجم التفجير وعدد ضحاياه، وكانت الدهشة والحيرة والحزن تنطلق من كل الافواه، معلنة عن استياءها الكبير لهذا الحدث الجلل، ومن تباين التاْويلات لهذا الخرق الامني الكبير، أصبحنا بمواجهة العجيب والغريب من الطروحات، خصوصا في تعدد المراكز الأمنية وتعدد القيادات والمهمات، وعدم توحدها وخلوها من التمركز، اما بالنسبة الى المحللين السياسيين فقد اعتبر بعضهم، ان هذه المجزرة ما هي الا محاولة ارهابية لاعاقة سيرورة الانتخابات التي ستجري في تشرين اول القادم، وهي لا تشبه التفجيرات السابقة، وانما هي وجه من اوجه الصراع الاميركي الايراني، وامتداد لعصابات الجريمة المنظمة الارهابية، ورأي اخر يرى أن التفجيرين رسالتان واضحتان الى الادارة الاميركية، والحكومة العراقية، ولكن مع اعتراف عصابات»داعش « مسؤوليتها المباشرة، صار واضحا ان الهدف منه خلق التوتر الطائفي واثارة الاعمال الانتقامية بين السكان، فتبين من متابعة حجم الحدث، ان مغادرة الحديث عن الارهاب في دول المنطقة، لم تحن نهايته، فربما ينهض من جديد، مستثمرا طرقه المعقدة في الكمون والانحسار، بعدما اُعلن عن الانتهاء من دحره في العام 2017، خلال مهمات صعبة ومواجهات كبرى، فأصبح من المبكر القول عن نهاية «داعش» حين هز تفجير الطيران الوحشي بغداد، وبعد ان طمئننا الاعلام ان «داعش» يمر اليوم في اسواْ احواله، فوضعتنا رسالته الأخيرة امام عملية نوعية بوحشيتها الفائقة، وبتكتيك ميداني خبيث، من شأنه ايقاع اكبر عدد من الضحايا، فاتفق متابعو ستراتيجية الارهاب، ان داعش يتجاوز «ادارة التوحش» لدى القاعدة، ويمضي في هذه العملية الى الدرجة القصوى من التصعيد الدرامي لعملياته الانتقامية، أن يفجر انتحاري بمن اغاث، ولمن لبى نجدته، ولا أظن ان هذه الصورة مسبوقة بأخرى، فنحن امام توحش مطلق وعام وشامل.
لقد استغلت داعش جائحة (كورونا ) طوال عام كامل، استثمرت العصابات حكومات العالم بالجائحة وآثارها، واستطاع أن يلتقط انفاسه، بعد الضربات الموجعة التي تلقاها في العراق ومناطق اخرى في منطقة الشرق الاوسط، الميزة الثانية التي وظفتها» داعش « خلال الفترة الاخيرة هو امتلاكه شبكة الانترنت بخبرة واضحة، وبقدرة على رص صفوف فلوله، مستفيدا من تقنيات هذه الشبكة وجملة من وسائل الاتصال عبر قنواته في الوسائط والتطبيقات والتي من الصعوبة السيطرة عليها مثل (تلغرام) و(واتساب) و(فيسبوك)، ومن المعروف ان الانترنت بات أكثر وسائل الاتصال فعالية في التحشيد وكسب الاتباع، والانتشار في الدول من دون أكلاف باهظة، تبقى ناحية ثانية يتوجب على العراقيين الآن الانتباه لها مليا، وهي أبعاد هذه الثغرة من أن تستثمر سياسيا وباتجاهات شتى.