بسيم عبد الواحد
رجوعا الى تاريخ فكرة الوزارة نكتشف عن أنها فكرة خرجت من تحت عباءة النظام الملكي او الملكية المعاصرة، فلقد انطلقت حكومة الثلاثين وزيرا في زمن سقراط عند اليونان في العام (404) قبل الميلاد، إما في دول أوروبا فقد انطلقت في زمن عصر النهضة لذلك نرى ان الملكية الاقطاعية استخدمت في إدارة الحكم مجلسا خاصا يتكون من أكابر الرتب العسكرية التابعة للعرش أي من كبار أتباع الملك ومريديه وهو يتكون من عدد كبير، لذا لم يحز على ثقة الملك، وفي القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر نحا الملك منحى جديدا ألا وهو انتخاب ثلة قليلة من هذا المجلس كوزراء ومستشارين، توكل اليهم إدارة الدولة
وسميت هذه الثلة أوالمجموعة المحصورة، في بريطانيا اسم (لجنة الحكم) أو (الديوان) وشيئا فشيئا حلت محل المجلس الخاص، وحتى تكون هذه المجموعة مجلسا برلمانيا، وضعه الملك تحت رقابة البرلمان، ثم بعد ذلك تطورت أعمال هذا الجهاز، بعد سنة 1688م فلقد حققت ثورة سنة 1688 للبرلمان امتيازات، منها الضغط على الملك بقبوله اختيار وزرائه من البرلمان للحيلولة، من دون حدوث صدامات مع الملك وعقب سنة 1714م حدث حدث جديد غير مسار الكثير من السياسات في بريطانيا، منها مساعدته على تحرير المجلس الوزاري من الملك، بسبب أن الملك جورج الاول لا يجيد الانكليزية، مما جعله يرفض حضور اجتماعات الوزراء، فاصبح غياب الملك عن هذه الاجتماعات عرفا مستقرا، وعادة مطردة في السياسة البريطانية (1) .(المصدر ، عبدالله إبراهيم ناصف، مدى توازن السلطة مع المسؤولية في الدولة الحديثة، دار النهضة العربية القاهرة 2001 ص39).
ثم بمرور الزمن أصبحت الملكية دستورية محددة الصلاحيات بسبب اعتمادها الدستورية البرلمانية يمتلك فيها الملك أو رئيس الجمهورية صلاحيات بروتوكولية شكلية كالتوقيع على زعيم الكتلة الفائزة بتشكيل الحكومة لتولي رئيس الوزراء للمباشرة في إدارة شؤون الدولة، والحكومة هي المحور الرئيس في هذا الامر، وهي التي تتحمل ما يقع من عبء ومسؤولية وحدود تلك المسؤولية، في ممارسة تلك السلطة، ومن ثم تكون مسؤولة عن أعمالها أمام المجلس النيابي، سواء أكانت هذه المسؤولية تضامنية أم فردية، تختص بكل وزير ويرأس هذه الوزارة رئيس مجلس الوزراء، وهؤلاء الوزراء لهم اجتماعات دورية شبه يومية او أسبوعية داخل مجلس متضامن وفي وحدة متجانسة وذلك للقيام بمهام رسم السياسات العامة للحكومة، ولتحقيق التعاون والانسجام ما بينها وبقية المؤسسات التابعة
للحكومة.
وللحكومة مميزات مهمة تتميز بها، منها أن تكون الحكومة من الحزب صاحب الاكثرية في مجلس النواب، وقد تكون الحكومة من مختلف الاحزاب والحركات والتجمعات السياسية، أو وزارة وحدة وطنية في حالات خاصة، وذلك عند الضرورة للقيام بمهام وطنية خطيرة تتطلب تضامن كل الاحزاب (2) (المصدر
نفسه ).
إما التجربة البرلمانية في العراق فلقد مرت بعدة مراحل ففي العام 1924 كان نظام الحكم ملكي برلماني، ولكن واجه البرلمان مشكلة كبيرة لم يستطع تجاوزها او التغلب عليها، ألا وهي تركيز السلطات بيد الملك، فالملك له صلاحيات واسعة جدا على حساب رئيس الحكومة، ثم تعاقبت بعد الاطاحة بالنظام الملكي حكومات دكتاتورية صارمة يقودها العسكر،وبعد العام 2003 اختار العراقيون أن يكون نظام الحكم في العراق جمهوريا اتحاديا برلمانيا، (3) (المادة الاولى من الدستور العراقي لسنة
2005 )
يكون فيها رئيس مجلس الوزراء المحور في إدارة شؤون البلاد، ولكن واجهت الحكومة على مستوى الادارة عدة مشكلات منها مدى حدود سلطة رئيس الوزراء، ومسؤولياته التي تقع على عاتق رئيس الحكومة وذلك بسبب ضغوط تمارسها الاحزاب من جانب وكثرة الاحزاب الطائفية، من جانب أضف الى ذلك التدخلات الخارجية، وتأثيرها في القرار لدى المحاور الدولية المتصارعة في العراق، ولهذا سنبحث هذه المفردات بالتفصيل وذلك لصلتها
بالبحث.
إما في لبنان الذي لا يختلف عن العراق الا بالنزر القليل سنبحث في ما يخص رئيس مجلس الوزراء المسؤولية والحدود وفقا للتعديل الدستوري لسنة 1990 على خلفية اتفاق الطائف، وكيفية تشكيل الحكومة ورئيسها وبقية الوزراء وماهي سلطة رئيس مجلس الوزراء ومسؤولياته في هذا
الدستور .
يتم تشكيل الحكومة ورئيسها بعد استشارة نيابية ملزمة يقوم بها رئيس الجمهورية بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب، بتسمية رئيس الحكومة على ضوء استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على نتائجها (5) (المادة 53) ( من الدستور اللبناني لعام 1990)
ولقد رسم هذا الدستور أيضا مسؤوليات وحدود رئيس مجلس الوزراء وهو ممتحن بمثل ما أمتحن به رئيس مجلس الوزراء العراقي بضغوط من الأحزاب الطائفية والضغوط الدولية والفساد المالي والاداري المستشري بكلا
الجانبين.
لقد اراد المشرع الدستوري وبناء على تعديل 1990 ، ان يكون مركز الثقل في ممارسة السلطة التنفيذية واختصاصها في يد الحكومة أو مجلس الوزراء، بعد أن كانت مناطة برئيس الجمهورية، الذي فقد بعض صلاحياته الاساسية، ولايزال محتفظا بالبعض الآخر بصفته رئيس الدولة، ولكن ووفقا للدستور فان هذه السلطة التنفيذية تناط بالحكومة التي تتولاها وتمارسها عن طريق مجلس الوزراء، لذا ستكون الحكومة هي المسؤولة أمام القانون وذلك لأن الدستور اللبناني حدد المسؤولية على هذه الحكومة ورسم لها حدودا لا تستطيع الحكومة تجاوزها.
إما في العراق فإن الفقرة الاولى من المادة (76) في دستور (2005) العراقي ألزمت الرئيس بتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل الحكومة ورئيسها، ولا مجال لتفسير هذا النص على غير هذا النحو، اما حدود سلطة رئيس الوزراء ومسؤلياته فعليها نوع من الضبابية والغبش سنحاول في هذا البحث ان نزيح العتمة والضبابية عن هذه الحدود والمسؤوليات بعد الاتكال على
الله .
مستشار قانوني