محمد صالح صدقيان
متابعة بعض الملفات لاي كاتب او باحث سياسي تكون ممتعة خصوصا اذا كان الملف فيه من الحركة والحيوية والتطورات اليومية. المتعة تكون اكبر عندما يكون احد اطرافها ايراني يريد ان يحصل على اكبر عدد من النقاط التي تزيد من كفة الامتيازات التي تصب بمصلحته بغض النظر عما اذا كانت هذه الامتيازات له او يحصل عليها في مابعد.
تذكرت مقولة احد السفراء الخليجيين لدى طهران عندما نقل لي انه اوصى حكومته بان ترسل لطهران من تريد ان يتدرب على العمل في المجالات السياسية والاقتصادية لان ايران – حسب صديقنا السفير – تصنع الحدث وتجعل الاخرين يركضون وراءه ؛ وما ان يقل وهج هذا الحدث تعمل على ايقاد شعلته بزاوية اخرى لنكون امام حدث جديد وهكذا.
منذ فبراير/ شباط الماضي وتحديدا في الثالث منه ونحن نراقب الاداء الايراني بشأن الانتخابات الرئاسية الاميركية ومآلات الموقف خصوصا بعد الهزيمة التي لحقت بالرئيس دونالد ترامب وفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن .
لاشك ان الحدث وقع على قلوب الحكومة الايرانية كقالب من ثلج ؛ أفرحها ؛ أراحها واثلج صدرها بعد ان ازعجتها عقوبات الرئيس ترامب التي استهدفت اقتصادياتها واقتصاديات الاسرة الايرانية . لم ينجح مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي المعزول جون بولتون من الايفاء بوعده الذي اعطاه لمنظمة خلق الايرانية المصنفة ارهابيا ؛ بعدم السماح للنظام السياسي الايراني بالاحتفال في ساحة الحرية بطهران في عيدها الاربعين ؛ كما لم ينجح وزير الخارجية مايك بومبيو في تقليم الاظافر الايرانية . الاول طٌرد من البيت الابيض والاخر سقط مع رئيسه ؛ وايران بدأت احتفالاتها بعيد ثورتها الـ 42 .
الان تقف ايران في سباق ماراثوني جديد مع الرئيس الاميركي جو بايدن وفريقه الدبلوماسي بامتياز وامامهم « لعبة العشاق » .
من يبدأ اولا ؟
طهران التي ترى نفسها متضررة من انسحاب الجانب الاميركي من الاتفاق النووي وما رافقه من عقوبات في حدها الاقصى اجبرتها على وضع برنامج لملفها النووي ادى الى رفع تخصيب اليورانيوم الى نسبة 20 بالمئة اضافة الى صناعة معدات وتجهيزات مقلقة للجانب الغربي ؛ ام واشنطن – بايدن - التي دانت انسحاب ادارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي وهي الان تطالب طهران بابداء حسن النوايا وتقبل بالتراجع عن خطواتها التصعيدية في برنامجها النووي .
من يبدأ اولا ؟
طهران تعتقد ان الجانب الاميركي اذا كان جادا في العودة لطاولة 5+1 عليه الغاء الحظر قبل العودة للطاولة كما فعل بشأن « اتفاقية المناخ » لان الاتفاق النووي كما تقول طهران ليس اتفاقا ثنائيا وانما هو اتفاق دولي أسهمت فيه الدول الأعضاء في مجلس الامن الدولي اضافة الى المانيا واودع في مجلس الامن الدولي وصدر بشأنه القرار 2231 وبالتالي فهو اتفاق دولي .
حتى الان لايوجد تصور بشأن الموقف الاميركي ربما تناولته الاسبوع المقبل لان الرئيس بايدن وعد بطرح تصورات لسياسته الخارجية ؛ ومن المفترض ان تكون ايران في صلب هذه السياسة وغير بعيدة عن هذه التصورات.
لكن يجب ان ياخذ الطرفان استحقاق 20 من شهر فبراير/ شباط الجاري بنظر الاعتبار ؛ وهو الموعد الذي وضعه البرلمان الايراني امام الحكومة الايرانية للانسحاب من تنفيذ البرتوكول الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي والذي سيضع محددات امام فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفقد المنشآت النووية الايرانية.
هذا الاجراء يرتب تبعات على الجانب الايراني الا انه يزيد قلق الدول الغربية خصوصا في ظل مسار الايرانيين برفع نسبة تخصيب اليورانيوم وانتاج معدات واجهزة ذات استخدامات متعددة.
الجدل السياسي بين الجانبين مهم لطهران ومهم ايضا لواشنطن لانه يسمح ببلورة مواقف واضحة لكلا الطرفين . اما الاوروبيون فانهم يريدون ان يكونوا في صلب المفاوضات ولايريدون ان يكونوا على الهامش ولذلك طرحوا ضرورة مشاركة اطراف اقليمية في المفاوضات لكن ليس من الواضح حتى الان موقف الادارة الاميركية هل هي بصدد فرض هذا الشرط ام لا ؟
لكن بالتاكيد هو مرفوض من قبل الجانب الايراني لان طهران تقول انها لاتريد مناقشة الامن الاقليمي حتى تسمح بمشاركة اطراف اقليمية على طاولة هي بالاساس مخصصة لمناقشة البرنامج النووي الايراني .
تبقى قضية بعض اعضاء الفريق الذين عينهم الرئيس بايدن امثال روبرت مالي مندوب وزارة الخارجية الاميركية في الملف الايراني ووندي شرمان معاونة وزير الخارجية الاميركي وجيك سولفان مستشار الامن القومي وهؤلاء جميعا اضافة الى اخرين كانوا عرابين للاتفاق النووي الذي توصلت اليه ايران عام 2015؛ وبالتالي فان قراءة هذه الاسماء ربما تدخل السرور على قلوب الايرانيين لكنهم يقولون كما قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف :«ان تعيينهم في هذه المناصب هو شأن داخلي اميركي وما يهم ايران هي الافعال التي تتحرك على الارض».