في الأيديولوجيا

آراء 2021/02/03
...

 علي المرهج
الأيديولوجيا نظرية ثورية مهمتها هدم النظام القائم، والعمل على تأجيج الصراع المجتمعي داخل هذا النظام لتفكيكه.
إذاً فمهمة الأيديولوجيا الأساسية هي وضوح الرؤية وصلابة مريديها في المواجهة، وسعي أصحابها للقصاص من المُخالفين لهم، فلا مكان لمن يمتلك رأياً مُعارضاً لرؤية أصحابها، ولا تعددية فكرية ساعة الحاجة لمؤيدين ثوار لا فلاسفة مُدمنين على الحوار.
من سمات الأيديولوجيا النقد، لا النقد المعرفي بحسب مُقتضيات الطرح الفلسفي، بل النقد بحسب مُقتضيات التغيير للواقع القائم الذي نهض الأيديولوجيون من أجل تغييره لا تجديده.
الأيديولوجيا تخطيط وتدبير لاختراق صفوف العدو، فلا قبول فيه ولا انتظار ولا طلب للحوار، بل تقتضي تشخيص مكامن ضعف العدو ومواطن قوته لمعرفة الكيفية، التي تُمكنهم من اختراق صفوفه وخرق نظامه الأمني والعسكرتاري، بل وحتى الأيديولوجي القائم على تصدير رؤية مُعينة لها بعض القبول بين أفراد المجتمع عبر السعي لتهديمها بمنطق الجدل لا البرهان.
تقتضي الأيديولوجيا التنظيم الحركي ورص صفوف المُعارضين من أتباعها لنظام الحُكم القائم، وكل تنظيم في صفوفها إنما غاية أصحابه تحقيق الفوز والانتصار في ساحة الصراعن لا الانتصار في ميدان الوعي المعرفي والمشاركة في كشف الحقيقة، بل كثيراً ما يسعى الأيديولوجيون لتزييف الحقيقة والواقع من أجل تحقيق المكاسب والانتصار على الخصم.
الأيديولوجيا طرح نظري يُرافقه سعي عملي للتغيير، وربما تُغتال لحظة التأسيس وتنتفي عنها نزعتها الثورية، بعد أن يتمكن منها المحافظون، أو في حال تحول الثورريين من نزعتهم التغييرية، التي أوصلتهم للسلطة كي يكونوا مُحافظين يُحاولون االابقاء على شكل نظام الحُكم الذي جعلهم قادة وسادة.
تُقدم الأيديولوجيا نفسها، أو يُقدمها دعاتها على أنها بمثابة العتبة للخلاص، أو قد يعتقد بعض الذين آمنوا بها بأنها شرّ لا بُدّ منه، أو هي الخير المنتظر، الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جورا.
قد تُستخدم الأيديولوجيا بوصفها رؤية للخلاص، وهذا ينطبق على كل الديانات والعقائد والأيديولوجيات التي قدمت رؤاها وأطروحاتها على أنها مائدة إشباع لمن هو محتاج للتزود بالمعرفة.
كل دعاة رؤية "دوغمائية" يُقدمون فكرهم على أنه فكر خلاصي لمن ركبه، وكأنه قد ركب سفينة النجاة، ومن تخلف عنه، فإنما هو قد كتب نهايته المشؤومة بنفسه.
كل أفكار النهايات، بما فيها الأفكار الفلسفية التي آمن فلاسفتها بأنهم يكتبون الما قبل والما بعد، وأن ما طرحوه هو بداية النهاية، أو نهاية البداية إنما وقعوا في شرك الأيديولوجيا.
أول من تنبه لمفهوم الأيديولوجيا بوصفه مفهوماً مقابلاً لمفهوم "الوعي الزائف" هو كارل ماركس في كتابه "الأيديولوجيا الألمانية"، ولا أفصل حول ما كتبه عن نقد ماركس لفلسفة النهايات الهيجلية بطابعها المثالي، بوصفها مرادفة لتكريس الوعي الزائف للحفاظ على السلطة وجعل الناس أسارى التشكيل الطبقي المتوارث، ولكنها في مُجملها سعي لتزييف وعي "البروليتاريا" والطبقات الفقيرة.
ما نُشكل عليه في الأيديولوجيا، أو قُل في توظيفها، هو مقدار الخداع الذي يكتنزه خطاب "الخلاصيين" ليُظهروا بأن خطابهم هو مصدر الخيرية للمجتمع، الذي يدعون أنهم يُدافعون عن حقه في العيش بحياة أفضل، ولكنهم في الوقت الذي يكتبون به شعاراتهم ليخدعوا الجمهور الذي آمن بهم، نجدهم يدونون تاريخ نهايته ونهاية حقبة نضالية كشفت عنها ممارساتهم، حينما وصلوا للسلطة، فتبدلت الأدوار، وصار الضحية الذي كتب كل شعارات الأيديولوجيا الخلاصية يتهم كل معارض لسلطته على أنه متآمر.
تلك هي شرانية الأيديولوجيا وخديعة أصحابها في التأكيد على خيريتها الزائفة.