علي حسن الفواز
علينا ألا نزعل من الصحافة، ولا من نقدها، لأن الغاية من ذلك هو تقويم المسار والكشف عن ماهو غائب من الحقائق، وباتجاه توسيع أفق الحوار، وتيسير المعلومة والخبر للناس لكي تعرف وتتفاعل وتتواصل، ولكي يكون الفعل قائما على أساس المعرفة، وبمستوى مسؤوليتها وضرورتها. فإذا كان الكثيرون يعرفون بأن الصحافة هي السلطة الرابعة، فعلى هؤلاء أن يثقوا- ايضا- بخطابها ونقدها، وأن يدركوا أن صناعة “الرأي العام” ليست عملية سهلة، وأن تأثيره في تشكيل الصور الذهنية عن معطيات الواقع تحتاج الى جهود كبيرة، والى ارادة واعية، لاسيما في ظروف سياسية صعبة، وفي ظل تحديات وصراعات معقدة، فضلا عن الطبيعة التداولية الجديدة التي فرضتها العوالم الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي وتقانات المعلومات على الممارسات الاعلامية، على مستوى صياغة الرسالة الاعلامية. علاقة السياسة بالصحافة لا تعني علاقة خلافية، فالسياسي يحتاج الاعلامي لمساعدته في معرفة توجهات الناس، وطبيعة المشكلات التي يواجهونها، مثلما أن الاعلامي يحتاج السياسي بوصفه الفاعل الرئيس في الادارة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهي ادارات تؤطر مشروع الدولة وتحميها بالتشريعات والقوانين، وتسهم في البناء المؤسسي للدولة وللقيم الديمقراطية، والحقوق والتعايش والتشارك. النظر الى الصحافة خارج هذا السياق يعكس منظورا ضيقا، ويسهم في تحديد هامش حرية التواصل، والنشر، والحصول على المعلومة، فضلا عن تضييق الأفق على الجمهور، وعزله عن مصادر انتاج الأفكار والمعلومات، وبقطع النظر عن طبيعة المتغيرات في العالم، وتطور تقانات الاتصال والتواصل وشيوع الاعلام الرقمي، فإن ايجاد البيئات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المناسبة تسهم في تعزيز مسار الخطاب الاعلامي، وتجعل من هذه المتغيرات وسائل مهمة لصناعة ومعرفة ومتابعة الرأي العام، على مستوى الميول والاتجاهات، أو مستوى التفاعل مع الواقع واسئلته واستحقاقاته. إن النظر بواقعية وعقلانية للوظيفة الاعلامية، سيجعل منه عنصر قوة وديمومة للبناء والتنمية وتوسيع مديات المشاركة، لاسيما في عالم يحتاج الى التوسّع الفعال في مجالات المعرفة والمعلومة والتعليم والمصالح والخدمات، فضلا عن دورها في ايجاد البيئة المناسبة للاجيال الجديدة وتأهيلها لمواجهة تحديات المستقبل الرقمي، وتعالقاته مع المجالات الاخرى، التي لا يمكن للخطاب السياسي أن يحتكرها، أو أن يوظفها باتجاهات المصالح الخاصة.