ريسان الخزعلي
في الحياة العملية، الإنتاجية وغير الإنتاجية، يحصل أن نصف فرد أو جماعة، بالفردي أو الفرديّة. والإصطلاح هنا لا يعني التفرّد الإبداعي الذي يرتبط عادة بجهد الفرد الفكري في مجالات: العلوم، الآداب، الفنون، كما لا يعني حرية الإختيار الشخصي في الفكر والدين والمعتقد، وإنما يعني به ميل الفرد أو الجماعة في أن يكون العمل المنجز أو المطلوب انجازه ضمن المؤسسة العامة، من أجل المصلحة الشخصية وليس مصلحة المجموع والمصلحة العامة .
إنَ العمل من أجل المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة، يُشير إلى الأنانية وحب الذات وتغليب النزعات والغرائز الذاتية على كل ماهو موضوعي، وكثيراً ما يُثير الخصومات التي تؤدي إلى التنازع والاصطدام والإفتراق، ومن المتابعة التاريخية لتطوّر المجتمعات، وجد علماء الاجتماع، أن ظاهرة الفردية لم تكن موجودة في المجتمعات البدائية البسيطة، إذ لم يكن مفهوم تقسيم العمل والتخصص فيه موجوداً في حينه، حيث كان الأفراد متشابهين في ميولهم وشخصياتهم وأفكارهم، والكل يعمل بهدف تحقيق المصلحة العامة، ومع التطوّر العلمي/ الاقتصادي المتسارع، بدأت الفردية بالظهور بشكل تصاعدي، وأصبحت ظاهرة مجتمعية سلبية سرعان ما تحسسها الكثير من الفلاسفة والمفكرين ووقفوا بالضد منها، منهجاً وتطبيقاً، وألزموا حكومات مجتمعاتهم بتشريع قوانين وأنظمة عمل تحدّ من عمل الفرد أو الأفراد من أجل المصلحة الشخصية، وقد تضمّنت القوانين والأنظمة عقوبات محددة لكل مخالفة، ومما يُذكر تاريخياً، أنَّ (إفلاطون) في زمنه قد هاجمها مبكراً وقال عنها، إنها فكرة مضادّة للمثاليّة الجماعية، كما أن جميع الأديان السماوية في أدبياتها وتعاليمها تتناقض مع الأفكار الفردية التي تقف موقفاً معاكساً للروح الجماعية .
إن ظاهرة الفردية في العمل المؤسساتي تؤدي بالنتيجة إلى تراجع كبير في الإنتاج والإنتاجية، وتقف حائلاً أمام فرص النمو والتطوّر والازدهار، إضافة إلى الضرر المجتمعي العام الذي يحصل نتيجة التحيّز والإنحياز لفئة ما على حساب فئات المجتمع الأخرى، من هنا يكون الأمل وطيداً بأفراد مجتمعنا في تجاوز هذه الظاهرة الدخيلة على ثوابت مجتمعنا النبيلة.