القاضي الشجاع

الصفحة الاخيرة 2021/02/06
...

حسن العاني 
كان محمد بن ظاهر الذهبي، أعلم علماء عصره في الكتاب والحديث والفقه، الى جانب عناية كبيرة في 
الادب وعلوم اللغة، وقد طلبه الخليفة لتولي منصب قاضي بغداد، غير أن الرجل اعتذر مرتين وثلاثاً حتى ضاق الخليفة ذرعاً به، فاستدعاه وهو شبه غاضب وسأله [ ما الذي حال بينك وبين طلبنا ..أهو لين الخليفة ام اعوجاج فيه ؟!]، رد عليه [عافاك الله، لا هذا ولا ذاك، ولكن بغداد ام العلماء والفقهاء ورجال القضاء، 
وهناك من هو اجدر مني]، فقال الخليفة [ والله ما اخترتُك عن هوى في نفسي، ولكن هذا ما اجمع عليه اهل الرأي. 
وهكذا تولى الرجل امر القضاء عاماً كاملاً ساد فيه العدل، وردت المظالم ومع مستهل العام الجديد اشتكى مواطن من 
عامة الناس على صهر الخليفة، لانه استولى على بستانه غصباً، ودفع له مالاً دون الثمن واقل 
من الاستحقاق بكثير، 
فلم يتردد القاضي عن إعادة البستان الى صاحبه، والامر بحبس المغتصب لاثني 
عشر شهراً، وحين وصل الخبر الى الخليفة، ثارت ثائرته واستدعى الذهبي وهو يتفجر غيظاً، 
حتى اذا مثل امامه سأله غاضباً [ ما الذي اتيت به يا قاضي بغداد ؟!] رد عليه [ لم آت فعلاً يغضب الله !].. سأله من جديد [هل كنت تعرف ان الرجل الذي اودعته السجن هو صهري ؟!] اجابه [ نعم .. ولن اطلق سراحه الا بعد انقضاء المدة !]، وبلغ الغضب بالخليفة حده الأعلى 
[اية جرأة دفعت بك للاتيان بمثل هذا الفعل؟!]، [وهل كنت يامولاي سآتي هذا الفعل وامتلك الجرأة لو قبلت عطاياك ؟!] عندها تذكر الخليفة قضية الشروط وادرك سرها، فبكى حتى اخضلت لحيته وقال اصبت يا 
رجل..
فما شيء، مثل عطايا الخلفاء افسد النفوس وخرب الضمائر] ويوم وافته المنية خرجت بغداد عن بكرة ابيها لتودعه الى مثواه الأخير، وعلى مايروى، كان الذهبي اشهر الذين رفضوا العطايا، وخرجوا عن طاعة الخليفة الى طاعة الله.