حسن عودة الماجدي
مرّ وقت طويل على الجائحة الشباطية السوداء ولم يستكشف لها أي نوع من الدّواء، فوخزاتها ملازمة لكل الشرفاء، بالرغم من تعاقب سني الضيم وتزاحم الأطباء، ففي كل إطلالة للثامن من شهر شباط ينتشر كوفيدها ويداهم الأجساد، إذ يبقى ذلك اليوم الشاهد العصر على الحفنة الباغية من الصبية والأوغاد، وإلا كيف تزور الحقائق ويقدح الأمجاد في أبواق المقبور( هيكل ) ومن على شاكلة القادة المهزومين في مصر وفي بغداد.
فهل يعقل أن يقدح الزعيم الخالد بن الشعب البار الذي أصاب خبرها وسبق شرّها، والطّارد لقواعد الشّر كلها ومن تلك قاعدتا الشّعيبة والحبانية البريطانيتان، وهو الذي أصدر القانون الشّجاع الرقم ( 80) لسنة 1961م الذي أصاب الشّركات الأجنبية بالصّميم، أمّا على الصّعيد الداخلي فالقانون رقم (30) لسنة 1958م قانون الإصلاح الزّراعي العظيم، الذي ساوى بين المدنية والرّيف والذي كان حلماً يراود خيالات المساكين وأمهاتنا المتعبات باقتناء زرّ الكهرباء وصنبور الماء، بعد هذا المد الرّائد والفيض الصّاعد توجست دهاليز الشّر الدّاخلية والخارجية من هذا الغيث المستمر حتى بدأت ساعة الصّفر بتحريك الذيولّ في الداخل ممّا يسمّون (بالقومجية) الفارغين وتوابع الماسونية الشياطين للتوجه الى قطارالشّر الاميركي، الذي يعتلي ناصيته المقبور (علي صالح السعدي)، من أجل الإطاحة بثورة تموز 1958.
وهذا لم يكن هذراً للكلام أو من وحي الخيال أو من حاكمية عواطف الأحبابـ وانّما تؤكده وثائق الإمبرياليين بأنّ الثّامن من شهر شباط عام 1963م هو حصيلة للتدافع المشبوه من الداخل والخارج، اذ أكد ذلك المؤرخ في لجنة مجلس الشّيوخ الاميركي ( دفيد وايز) الذي يعد ما قاله حجة بوكالة المخابرات المركزية للفترة من ( 1958 – 1961 ) في عهد الرئيس الاميركي الاسبق ( ايزنهاور) فضلاً عمّا كشفت عنه الوثائق البريطانية وأول تلك الوثيقة رقم (1) في28/1/1963م الصادرة عن الخارجية البريطانية الى سفيرها في بغداد ( كودوفورد) والأخرى رقم (19) في 5/3/1963م مرسلة أيضاً الى سفيرها في بغداد ( دي الكود جايلد)، وهذا التّدافع التّآمري المحموم بين هذا وذاك، أيقن الاشرار بأن الزعيم قد اكتسب حكماً متزايدا من الاجراءات، التي تمثل ناقوس خطر على مصالحهم في العراق، وفي المنطقة برمتها.
من الجدير بالذّكر أنّ الوثائق المذكورة قد صوّرها وترجمها الى العربية الرّاحل ( العميد خليل ابراهيم الزوبعي ) وفي موضوع آخر أن السيدة ( يسرى سعيد ثابت ) القومية التّوجه كانت العدو اللّدود للزعيم عبدالكريم قاسم، وهي التي شاركت في عملية الاغتيال الفاشلة هي وأبوها وأخوها في شارع الرشيد في 7/تشرين الاول / 1959م التي التقاها الصحفي (المرحوم ستارجبار ) مؤسس جريدة البينة الجديدة اثناء تواجده في العاصمة دمشق قبل احداث سوريا الأخيرة، حتى انه ذهب الى بيتها وجلس في غرفة الاستقبال المعدة للضيوف كما هو معروف، فوقع نظره على صورة كبيرة للزعيم الخالد في غرفة الاستقبال فاستغرب مما رأى لعدو أرادوا قتله، وبعد فترة قصيرة تعلّق صورته بدار عدوه، فأجابته بالحسرة والعيون الباكية أنّ هذا الرّجل هو الزعيم الزّاهد وهو الشّجاع والمحب للفقراء والمحرومين، وانّه الجّم بالتسامح المنقطع النّظير، مقابل إنقلابيو يوم الثامن من شهر شباط عديمي الذّمة والضّمير، فقد خسر العراق الرجل الذي يصعب التكهن بمن يخلفه، كذلك إنّها قد أسهبت بالقول أمام الصّحفي المرحوم بأنّ الشّياطين لم يقتلوا شخصاً، وإنّما قتلوا شعباً بأسره انّهم قتلوا الحياة والانسانية والتّواضع والنّزاهة . هذا الحوار قد نشر على متن الصّفحة السابعة من جريدة المشرق ليوم 7/1/2021 م تحت عنوان ذاكرة عراقية، الرحمة والغفران للزعيم الخالد عبدالكريم قاسم ولرفاق دربه الافذاذ .