القضاء على الإرهاب ثقافياً
آراء
2021/02/07
+A
-A
زهير كاظم عبود
شكلت الثقافة الدينية المشوهة والمتطرفة للدين حاضنة من حواضن الارهاب، وعنصرا اساسيا من عناصر الكراهية والحقد والتحريض والتطرف، وانتشرت تلك الثقافة بوجود الاسباب والظروف، التي تساعد على الانتشار في المنطقة، ولم تزل تلك الاسباب في تنامي وانشطار مع استمرار وجود منابع ومنافذ تمويل ومساندة على جميع المستويات من اجل استمرار وجوده وفاعليته في المنطقة
ولسنا بصدد تعريف الظاهرة او التدقيق في اسباب وجودها حصرا في المنطقة، اذ ليس اعتباطا ان تتم لملمة الإرهاب وتركيزه ضمن منطقة واحدة في العالم ! مع حقيقة وجود هذه الظاهرة على الارض العراقية، وما ينتج عنها من عمليات اجرامية مؤثرة وفاعلة في ارباك الحياة العراقية وإضعاف قدرة الدولة ونشر الخوف، وجسامة حجم الخسائر الجسيمة التي توقعها، من دون أن تتمكن الاجهزة الامنية من القضاء كليا على هذه الخلايا والأوكار، التي تستخدمها تلك الجماعات، وان ترتقي بعملها لتواجه به تلك العصابات الارهابية من دون هوادة، وألا يكون عملها تقليديا وروتينيا امام مواجهة عصابات تعتمد التطوير التقني في العمل الاجرامي والإرهابي، وتنجح في تطوير اعمالها وأساليبها بين فترة وأخرى، وأن نسهم بارتقاء هذه الجهزة وتوفير مستلزمات هذا العمل، كما نسهم كل من موقعه ومكانه في مساندة عمل الاجهزة الأمنية والتعاون معها .
وإذا كانت الثقافة الدينية المشوهة والتطرف الديني أو المذهبي سببا من اسباب ديمومة عمل العصابات الإرهابية في العراق، فإن الواجب يتحتم ان نتعرف بعمق وبجرأة على الأسباب الحقيقية، لبروز ظاهرة الثقافة الدينية والمذهبية المتطرفة والمشوهة، وأن نسعى الى دعم ثقافة شفافة وناصعة وصادقة مضادة تعتمد على تصحيح تلك الظواهر المشوهة، وتسعى لتنشر ثقافة المحبة والسلام والتسامح وحقوق الإنسان التي اكدت عليها جميع الأديان والمذاهب دون استثناء، وعلى ألا يغب عن البال ماتفرزة ظاهرة الإرهاب وما يرافقها من ردود افعال، ترتكبها الحكومات المعنية بمكافحة الظاهرة، منها الخرق الفاضح لحقوق الإنسان وخرق نصوص الدستور في تقليص حق التعبير والرأي، والضغوط التي تتم ممارستها على المجتمع ايا كان شكلها، بحجة وزعم حمايته من الإرهاب أو بحجة التصدي للظاهرة، مع بروز حالات الفقر والبطالة والفساد كأدوات تعبر عن مدى الشرخ، الذي لم تتمكن السلطة من معالجته لسد ثغرة كبيرة يلجأ اليها الإرهاب لكسب العناصر المذعنة احيانا تحت ضغط مثل هذه الحالات .
ان التوسع في الفعاليات الثقافية ودور الفضائيات العراقية والاستفادة من دور خطباء المنابر المعتدلين في نبذ العنف والتطرف والغلو، والدعوة الى نبذ الإرهاب وإدانته يشكل رافدا ثقافيا مهما في دحر خط الإرهاب المستشري اليوم في العراق .
فإذا كانت العصابات الارهابية تعتمد على التطرف في فكرها السياسي والديني، فإن الشروع ببرنامج ثقافي وديني يشترط فيه أن تكون العناصر العاملة في هذا البرنامج مؤمنة بجديته وفاعليته، إضافة الى إيمانها بالثقافة الحقيقية السلمية والسمحة والإنسانية للدين، وأن تجد تلك الثقافة مستوى من القبول والاحتضان، حتى يمكن ان تمتد وتتوسع الى مساحات كبيرة، يرافق ذلك العمل الثقافي والإنساني عملية بناء اقتصادي وسياسي يتضمن تطبيقا عمليا للحقوق وواجبات للإنسان وفقا لمعايير الدستور والقوانين النافذة بشكل متساوٍ، لا يفرق بين دين او قومية او مذهب او جنس .
ونلاحظ أن اعتماد العصابات الارهابية فكريا يقوم على رفض ماتنتجه الحداثة، متمسكا بالقديم من التاريخ والقديم، ومعتمدا التفسير الآحادي للكتاب والسنة والفقه، وهو ما يجعل النقاش والحوار معها عقيما وبلا جدوى، حيث ان التاريخ يتوقف وفق النظرة المتطرفة والإرهابية، في حين ان قيما حضارية وإنسانية اخرى افرزتها ظروف العصر وتطور الحياة نمارسها بقناعة وبعقل، ووفق هذا المنظار سيكون للفهم الواعي لمعاني الأديان والرسالات ورفض الفكر المتطرف والطائفي دور مهم وأساسي في المواجهة، ولعلنا ندرك ان ليس جميع من اتخذ الإرهاب والتطرف والعنف سلوكا ومنهجا ينسجم مع من يماثله في المنهج، بالنظر لتعدد شعاب المنهج التكفيري واختلاف مناهجه والنظرة من قضية العدالة الاجتماعية والتطرف المذهبي والطائفي، لذا فإن معالجة كل حالة من تلك الحالات يوجب ألا تتم وفق معالجة واحدة وشاملة .
ان الاعتماد على الديمقراطية كمنهج اساسي جربته الامم الاخرى ونجح في تصحيح مسارات حياتها، يمكن ان يكون منهجا وفق معايير وقيم مجتمعنا اليوم، لتقويم مسارات حياتنا، وهذا الأمر يحتاج الى جهد ثقافي تقوم به النخب الدينية الواعية والمثقفة، بعيدا عن ظواهر التمسك بخلافات التاريخ القديم، وبعيدا ايضا عن الخلافات التاريخية التي تراكمت، ويحتاج ايضا الى جهد متميز من منظمات المجتمع المدني والأحزاب الوطنية، اضافة الى دور المثقف الواعي والتعليمي، فدور المدرسة والجامعة يشكل ساندا اساسيا لتحصين الجيل المقبل من براثن التطرف ايا كان شكله، إضافة الى أهمية التفات الدولة الى تبني مشاريع المسرح والفنون، التي تدفع الانسان لمحبة الحياة والتحسس بالجمال ودور رياض الاطفال والمدارس الأولية في بناء ثقافة تدعو للمحبة والتسامح، واعتماد قبول الآخر وحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، فالمنهج الديمقراطي يحتاج الى ايمان بالفعل لا بالقول، ويحتاج ايضا الى تضحيات، وإذ يمر مجتمعنا اليوم ضمن حزمة من التناقضات، التي لا بدّ من أن تنتج قيما وأعرافا جديدة تتناسب مع الزمن، وهذه القيم توجب أن نؤمن بالديمقراطية كمنهج يؤمن الحقوق والحريات والواجبات للإنسان .
ضمن تلك الثقافة علينا ان نتعرف على حقيقة اهداف الفكر الإرهابي بصدق ومن دون انفعال او ردة فعل، فالعصابات الإرهابية المتطرفة لم تأت الينا اعتباطا، ولم تكن مستوردة، انما وجدت الحاضنة والقاعدة التي تستند اليها، بمعنى انها وجدت الاسباب والظروف التي اوجدتها، ولهذا تواجدت على الأرض العراقية، من دون ان تلقى المواجهة الثقافية، التي تأخذ دورها طيلة فترة نموها، بالنظر لتحجيم الدور الثقافي وحصر المواجهة بالفعل الأمني المتواضع في المواجهة، وعلينا ان نتذكر دوما أن الفكر الإرهابي يعتمد، إضافة الى التطرف المذهبي والديني، فنه يعتمد فكرا رجعيا متخلفا يستمد مواقفه العدائية من ردة الفعل في المواقف التي تقفها السلطات او الاجهزة التي يحاربها .
ان السياسة الامنية الفعالة التي تعتمد على العلم والتطور بمشاركة الثقافة العلمية، التي تقوم على ارضية تنجح في مواجهة العصابات الارهابية، حتى يمكن ان تقوم بتفكيك تلك الجماعات تدريجيا، وبالاعتماد على سياسة الدفاع الاجتماعي وضمان قناعة المواطن العراقي بمعاونة الأجهزة الأمنية للقضاء على تلك العصابات وتفكيكها وبذل المساعي للتحاور والنقاش مع تلك الجماعات، وفق الأسس التي ذكرناها سابقا، وفي كسب قناعة المواطن العراقي في التعاون الأمني والوطني قاعدة مهمة من قواعد المواجهة .
لنثق بأن الارهاب يعتمد على التضييق الحاصل في مجال الحرية السياسية والحقوق التي اكد عليها الدستور بالتساوي بين العراقيين، لذا فان الثقافة التي يتم اعتمادها تعتمد بشكل كبير على تلك المصداقية والإيمان الحقيقي على ترسيخ دعائم تلك الحقوق والحريات، حيث ان ذلك يدعم من تأثير النخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تقليص او القضاء على الظاهرة الارهابية .
إننا أمام مواجهة حقيقية ووقفة جادة لتخليص ابناء شعبنا من براثن التطرف والعنف والإرهاب وتطوير المفاهيم المجتمعية والإنسانية من خلال الثقافة القانونية والشاملة للمجتمع العراقي بشكل عام .
.