المحافظات الجنوبيَّة وحقوق التنمية

آراء 2021/02/09
...

   باسم محمد حبيب 
على الرغم من أن العراق كله يعاني من قلة الإعمار وسوء الخدمات، لكن هناك محافظات يمكن وصفها بأنها الأقل إعمارا والأسوأ في مستوى الخدمات من سواها من المحافظات الأخرى، وذلك لسببين رئيسين: الأول - ما تعرضت له هذه المحافظات من إهمال من الحكومات العراقية قبل وبعد عام 2003، والثاني - غياب المطالبة القوية بحقوق هذه المحافظات في الإعمار والخدمات، لاسيما من الفئات الأكثر نفوذا والأعلى صوتا فيها كالمثقفين والأكاديميين وشيوخ العشائر
 وغيرهم .
لقد ورثت الحكومات العراقية تعاملها السلبي تجاه هذه المحافظات من السياسة العثمانية، تجاه ولاية البصرة وإمارة المنتفق في جنوب العراق، فضلا عن سكان الأهوار الذين وصفوا بالمعادين للدولة. 
فأخذت هذه الحكومات تنظر إليهم كما كان ينظر اليهم العثمانيين، أي بوصفهم خارجين عن القانون ورافضين للحضارة والتمدن، فكان أن حرموا من أبسط حقوقهم، ومن مستلزمات الحياة الحديثة، التي باتت تنساب إلى الديار العراقية منذ أواخر القرن التاسع عشر، ما جعلها في حال مختلف عن بقية
 المحافظات .
وعلى ما يبدو استمرت هذه النظرة بشكل أو بآخر حتى بعد عام 2003، لإننا لم نجد إعمارا واضحا في هذه المحافظات، يمكن مقارنته بالإعمار في المحافظات الأخرى، بينما لم يجر الارتقاء بالخدمات التي بقيت في أسوأ حالاتها، فلا كهرباء مستمرة، ولا مشافي كافية، ولا مدارس مناسبة للتعليم، ولا مياه صالحة للشرب، ولا حلول لمشكلات الفقر والجهل و البطالة وما إلى ذلك من الأمور، التي توقع كثيرون أن يكون لحكومات ما بعد 2003 تعامل مختلف معها، لكن ذلك لم يحصل .
أما المطالبة بحقوق هذه المحافظات فلم تكن للأسف مطالبة مؤثرة، على الرغم من أن التظاهرات الشعبية لم تهدأ فيها أو تقل وتيرتها، وسبب ذل: لغياب العنصر الكافي من الشرائح الأكثر نفوذا والأقوى تأثيرا كالشيوخ والمثقفين والموظفين وغيرهم، إذ انقسم هؤلاء بين معارض للتظاهرات وبين مؤيد لها من دون فاعلية، أي الإكتفاء بالدعم الوجداني والقلبي والتعاطف الخجول غير
 المؤثر .
ومن ثم لا بدّ أن تغير الحكومة من سياستها تجاه هذه المحافظات وتتوقف ان اعتماد أسلوبها القديم في الإهمال والتجاهل، فليس من الصحيح أن تستمر هذه المحافظات في معاناتها من دون حلول أو معالجات، وليس مناسبا للشرائح التي تملك نفوذا وصوتا أكبر أن تبقى في صف المتفرجين أو الساكتين عن حقهم وحق
 أسرهم.
فعلى هؤلاء مسؤولية كبيرة قد تفوق ما على سواهم من الشرائح الأخرى، وهي مسؤولية الضغط على أصحاب القرار في البلاد لضمان الحقوق المشروعة لأبناء هذه المحافظات، لاسيما حقهم في الإعمار والخدمات، فوقوفهم الجدي مع الشرائح الأخرى هو وحده من يضمن الحقوق المشروعة ويحقق المطالبة العادلة
 للناس.