في سبيل دولة مدنية

آراء 2021/02/10
...

  عباس الصباغ 

 الاطار العام للدولة العراقية وعبر عصورها لم يكن يحمل توصيفا مقاربا للدولة المدنية بأي شكل من الاشكال، فقد عانى العراقيون جميعا من سياسة التداول اللا سلمي للسلطة، التي ادت الى عدم الاستقرار السياسي/ المجتمعي/ الاقتصادي/ الامني، وتسلط احزاب ذات طابع فاشستي كحزب البعث المنحل وغيره من الاحزاب.

التي كانت امتدادا لأجندات خارجية، وعانوا من انظمة عاملت العراقيين بالحديد والنار والاقصاء والتهميش، وذلك قبل التغيير النيساني المزلزل، ومن بعده عانوا من اخطاء وخطايا التأسيس البنيوية للعملية السياسية، التي قامت على اسس التشارك التحاصصي/ التوافقي ومن تفشّي الفساد في جميع مرافق الدولة، ومن الخلل الصارخ في خدمات البنى التحتية ومن البطالة المقنعة وغيرها، وبحسب التوصيف المقتضب للدولة المدنية: وهي التي تحافظ على كرامة الانسان وأمنه وتحترم انسانيته بموجب آليات العقد الاجتماعي والمواثيق الدولية، فضلا عن التسامح وتقبّل الاخر والمساواة في الحقوق والواجبات، من دون تمييز في العرق والجنس والاثنية .
 الدولة العراقية الحديثة مرّت بمرحلتين متقاربتين: الاولى قبل التغيير النيساني وتوصف بأنها دولة الرعب البوليسية التوليتارية، والمرحلة الثانية هي دولة الفوضى الخلّاقة العميقة والفاشلة، التي نخوض غمارها في الوقت الحاضر، وكلا المرحلتين لا تحملان توصيفا لدولة عراقية مدنية اطلاقا، فمن غير الممكن ان نصف الدولة العراقية التي تأسست بعد 2003 بانها دولة مدنية قامت على انقاض وخرائب (اللا دولة) السابقة لهذا التاريخ، والتي عاش العراقيون في اتون جحيمها وحرائقها .
 فالدولة المدنية لها مقاربات خاصة بها وهي التي تحترم مبادئ حقوق الانسان وعدم تهميش اي مكون من مكونات النسيج المجتمعي حسب مبدأ المواطنة، اما الدولة التي اقيمت بعد التغيير النيساني فهي لم تكن دولة مدنية بالمعنى الدولتي المتعارف عليه عالميا، للأسباب الواردة آنفا، وعليه فانه من غير الممكن ايضا ان نصف الدولة العراقية الحديثة على طول تاريخها بأنها دولة مدنية فتكون الدولة المدنية استحقاقا عراقيا مؤجلا في الفترة، التي تلت انشاء الدولة العراقية المعاصرة 1921 والى الان، وهي دولة (الحلم ) والتي لم يعش العراقيون في متونها ولم يتمتعوا بمقارباتها الدولتية، وهم جديرون بها لما يتمتع به العراق شعبا ومرتكزاتٍ من مقومات اساسية لبناء دولتهم المدنية والحضارية، التي لاتقلّ شأنا عن نظيراتها من دول العالم، التي قطعت أشواطا بعيدة في سبيل الوصول اليها، كالنمور الآسيوية الاربعة وغيرها 
كثير .